وكذا تتبّع المجتهد للرخص، يمكن أن تبنى على مسألة تقليد العالِم للعالِم؛ فمن منع منع تتبع الرخص، ومن أجاز أجرى الخلاف فيه. أما ثمرته فقد ذكر الزركشي أن من فروع المسألة: هل يجوز للشافعي مثلا أن يشهد على الخط عند المالكي الذي يرى العمل به أو لا؟ صرّح ابن الصبّاغ بأنه لا يجوز، وهو ظاهر كلام الشافعية، فإنهم قالوا: ليس له أن يشهد على خط نفسه، والظاهر الجواز إذا وثق به وقلد المخالف، ويدل عليه تصحيح النووي قبولَ شهادة الشاهد على ما لا يعتقده؛ كالشافعي يشهد بشفعة الجوار. وذكر من الفروع: أن الحنفي إذا حكم للشافعي بشفعة الجوار، هل يجوز له أم لا؟ فيه وجهان أصحهما: الحِلّ، وهذه المسألة تشكل على قاعدتهم في كتاب الصلاة أن الاعتبار بعقيدة الإمام لا المأموم. ص299 - كتاب مقالات موقع الدرر السنية - تتبع الرخص - المكتبة الشاملة. محاضر بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة - الرياض
* نقلا عن موقع المسلم بتصرف
تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب.. رؤية شرعية - إسلام ويب - مركز الفتوى
وأما بطلانُ النكاح، فإنه ليس للتلفيق؛ وإنما لقوة الأدلة التي تجعلُ العقد باطلًا. 4- أما زلَّات العلماء ونوادرهم، فأرى أن نفرِّق بين الزلة والنادرة:
لأن الزلَّة في نظري: ما خالفت دليلًا شرعيًّا. والنادرة: ما استندَتْ إلى دليل وسندٍ شرعي، وانفرد بها بعضُ أهل العلم. والزلَّة يحرمُ الأخذ بها لمن عَلِم وجهةَ زلَّتها وانحرافها، وهي غالبًا ما تكون فتاوى صدرت لمصلحةٍ دنيوية وهوًى نفسي، يشَمُّ العلماء رائحةَ فسادها ونتنها على بعد أميال، ويلفظونها ويحذرون الناس من الأخذ بها مهما علَتْ مكانة صاحبها، فالحقُّ أعلى من الجميع. وأما النادرة، فهي عندي لا بأسَ بها، ولا مانع من الأَخْذ بها عند الحاجة؛ تيسيرًا وخروجًا من الحرج. تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب.. رؤية شرعية - إسلام ويب - مركز الفتوى. ومن ذلك: عدم وقوع الطلاق أثناء الحيض ( وهو ما يُعرف بالطلاق البدعيِّ) عند ابن تيمية رحمه الله، وكذلك عدم وقوع طلاق الغضبان الذي لا يعلمُ ما يقول، ولا يريده؛ عند ابن قيم الجوزية [16]. ولذا؛ فإني آخذُ بمثل هذه النوادر عندما يغلق أمامَنا بابُ مرَّات الطلاق؛ فنرجع ونسأل الزوجين عن كلِّ حالة من حالات الطلاق الثلاثِ، فإن وجدْنا مخرجًا من هذَيْن، أفتينا به والنفسُ مطمئنة؛ لقوة الحجة وسموِّ الغاية، ورفعًا للحرج في ضوء الإطار الشرعيِّ الخالي من هوى النفس واتباع الشيطان.
رابعها ـ التخلص من الأحكام الشرعية وإسقاطها جملة، عملاً بمبدأ الأخذ بأخف القولين، لا بأثقلهما، مع أن التكاليف كلها شاقة ثقيلة". اهـ. وقد سبق أن بينا أن الواجب على جميع المسلمين إتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وأن العامي مذهبه مذهب من يفتيه، فإذا أشكل عليه أمر من أمور دينه، سأل من يثق بعلمه، وعليه أن يختار الأعلم والأتقى والأورع من أهل العلم، حسب وسعه؛ في فتوى: " المذهب الدي يجب العمل به "،، والله أعلم. حكم تتبع الرخص؟؟؟؟؟ - عالم حواء. 4
3
6, 379
حكم تتبع الرخص؟؟؟؟؟ - عالم حواء
الثاني: أنه لا يفسق، وهو رواية أخرى عن أحمد، وقال بها ابن أبي هريرة من الشافعية. واستدل أصحاب القول الأول بالآتي:
1- أن الله تعالى أمر بالردّ إليه وإلى رسوله، واختيار المقلّد بالهوى والتشهي مضاد للرجوع إلى الله ورسوله. 2- أن تتبع الرخص مؤدٍ إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها؛ لأن له أن يفعل ما يشاء ويختار ما يشاء، وهو عين إسقاط التكليف، فيُمنع سدًا للذريعة. 3- أن القول بتتبع الرخص يترتب عليه مفاسد عظيمة، منها:
أ- الاستهانة بالدين، فلا يكون مانعًا للنفوس من هواها، ومن مقاصد الشرع إخراج الإنسان عن داعية هواه، والقول بإباحة تتبع الرخص فيه حث لإبقاء الإنسان فيما يحقق هواه. ب- الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، ثم إنه لا يوجد محرّم إلا وهناك من قال بإباحته إلا ما ندر من المسائل المجمع عليها، وهي نادرة جدًا. ج- انخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، فتضيع الحقوق، وتعطّل الحدود، ويجترئ أهل الفساد. د- إفضاؤه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم. ويعضد أصحاب هذا القول مذهبهم بالآثار المروية عن السلف في ذم تتبع الرخص، ومن ذلك قول الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام"، وعن سليمان التيمي قال: "لو أخذتَ برخصة كل عالِم اجتمع فيك الشرّ كله".
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في التحفة ( 10\112): " ويشترط أيضاً أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالأسهل منه ، لإنحلال ربقة التكليف من عنقه حينئذ ومن ثمّ كان الأوجه أن يفسق به ". وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي ( 4\305): قال ابن الصلاح: ثمّ اشتراط عدم تتبع الرخص هو المعتمد وتبعه المحقق الكمال بن الهمام من الحنفية ، وعلى الأول فهل يفسق بالتتبع ؟ وجهان... " 5. قال ابن عابدين في " العقود الدّرية " ( 2\327): "... فأمّا الذّي لم يكن من أهل الإجتهاد فانتقل من قول إلى قول من غير دليل ، لكن لمّا يرغب من غرض الدّنيا وشهوتها فهو مذموم آثم مستوجب للتأديب والتعزير لإرتكابه المنكر في الدّين واستخفافه بدينه ومذهبه ". 6. وقال فقيه المالكية الشيخ عليش في فتح العلي المالك ( 1\77): " وأمّا تتبع أخف المذاهب وأوفقها لطبع الصائر إليها والذاهب فمما لا يجوز " ، وقال في نفس الكتاب ( 1\90): " والأصح أنّه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل ، وقيل لا يمتنع وصرّح بعضهم بتفسيق متتبع الرخص ". 7. وقال ابن النّجار الفتوحي الحنبلي في شرح الكوكب المنير ( ص 627): " ويحرم عليه أي على العامي تتبع الرخص ، وهو أنّه كلّما وجد رخصة في مذهب عمل بها ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب ، ويفسق به أي بتتيع الرخص ، لأنّه لا يقول بإباحة جميع الرخص أحد من علماء المسلمين: فإنّ القائل بالرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة الأخرى التي في غيره.
ص299 - كتاب مقالات موقع الدرر السنية - تتبع الرخص - المكتبة الشاملة
وقد دخل القاضي إسماعيلُ على الخليفة العباسي المعتضد، فدفع إليه كتابًا، قال: "فنظرتُ فيه وقد جمع فيه الرُّخصَ من زلل العلماء، وما احتج به كلٌّ منهم، فقلت: "مصنِّفُ هذا زنديقٌ! "، فقال - أي: المعتضد -: "لم تصح هذه الأحاديث؟"، قلت: "على ما رُوِّيت، ولكن من أباح المسكر لم يُبِح المتعة، ومن أباح المتعة لم يُبِح المسكر، وما من عالمٍ إلا وله زلَّة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها، ذهب دينُه"، فأمر المعتضد بإحراقِ ذلك الكتاب [11]. تعقيب وترجيح:
بعد الوقوفِ على حكم تتبُّع الرخص، يمكن التوصل إلى ما يلي:
1- أن تتبُّع الرخصة الشرعية، والأخذ بها - أمرٌ على كلِّ مسلم أن يحرص عليه؛ لأنه محبَّبٌ شرعًا. ولكنا نرى بعضًا من المسلمين يتعمَّدون عدمَ الأَخْذ بها، وهم إما جهلة بحكم الرخصة وفضلها، وإما عالمون بها ومع ذلك يتركون الأخذَ بها؛ اعتقادًا منهم أنه الأعظمُ أجرًا، والأفضل شرعًا؛ لكثرة المشقة. 2- أن تتبُّع تيسيرات المذاهب على إطلاقها لا يجوز. وإني من الذين يعشقون المذهبيَّة في دراسة الفقه، وأدافع عن التمسُّك بها؛ لاعتبارات، أهمُّها: أنها مذاهب قاربت أن تأخذ صفةَ الإجماع، كما أن هؤلاء الأئمة ومن تَبِعهم قد تحقَّقت فيهم صفات وشروط ندر أن نراها عند الكثير من المتصدِّرين للإفتاء والاجتهاد في زماننا، ومع ذلك فإني أتَّبع الإمام الشافعي في الرضوخ والإذعان للدليل أيًّا كان موضعه؛ ولذا أرى أنه لا مانعَ من الأخذ برخص المذاهب بشروط:
الأول: عدم وجود هوى نفسٍ.
[1] رواه أحمد في "المسند"، والبيهقي في "السنن"، عن ابن عمر رضي الله عنهما، والطبراني في الكبير عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما. [2] انظر: المستصفى: 2/ 391، وإعلام الموقعين: 4/ 517، والموافقات: 4/ 172، وتيسير التحرير: 4/ 254، وشرح الكوكب المنير: 4/ 577، والمسودة: ص: 218، وجمع الجوامع مع البناني: 2/ 400، والبحر المحيط: 6/ 325، وفواتح الرحموت: 2/ 406. [3] المسودة: 518. وانظر: المستصفى: 2/ 391، والبحر المحيط: 6/ 325، وإعلام الموقعين: 4/ 519، وجمع الجوامع مع البناني: 2/ 400، والموافقات: 4/ 134 - 147. [4] انظر: البحر المحيط: 6/ 325، وروضة الطالبين: 11/ 108، وشرح الكوكب المنير: 4/ 579. [5] التحرير مع التيسير: 4/ 254. [6] مُسلَّم الثبوت: 2/ 406. [7] انظر جمع الجوامع مع البناني: 2/ 400. [8] انظر: التحرير مع التيسير: 4/ 254، ومُسلَّم الثبوت مع فواتح الرحموت: 2/ 406. [9] البحر المحيط: 6/ 326. [10] المسودة: 519. [11] البحر المحيط: 6/ 326، 327. [12] الموافقات: 4/ 134. [13] البحر المحيط: 6/ 320. [14] انظر: الموافقات: 4/ 148، والبحر المحيط: 6/ 322. [15] شرح الموافقات: 4/ 148. [16] انظر إغاثة اللهفان: (ص: 38).