وهذه
القصيدة للحارث بن عباد تصور لحظة التحول الكبرى في موقفه من الحرب! لقد ظل بعيدا
عنها! مؤثرا عدم الخوض في ويلاتها! فإذا بها تُفرض عليه بعد مصرع ابنه بجير غدرا! وفضلا عن هذا الغدر الذي تعرض له ابنه ـ فقد قتل في غير موقف للقتال! وقبل أن يأخذ
للحرب أهبتها وعُدتها! فأبوه وقومه لم ينحازوا إلى طرف ولم ينجروا إلى قتال ـ فإنه
يُقتل فداء لشِسع نعل كليب! وكأن هذا هو قَدرُه وقيمته! أن يقتل في مقابل شسع نعل. ويفجر هذا المعنى الأخير في وجدان الحارث بن عباد دوامة العواصف التي تجتاح
القصيدة من أولها إلى آخرها! إنها نزف مستعر! كالنار التي تئز! والرجل الشيخ يطوي
صدره على الثكل وطعنة الغدر! وامتهان الشرف والكرامة. من هنا يجيء هذا التكرار
الملح للإعلان عن تأهبه واستعداده للانغماس في الحرب الضروس متمثلا في قوله:
قربا مربط النعامة مني
في أربعة عشر بيتا
متتابعة! وكأنها ناقوس يدق! أو طلقات تتوالى! والنعامة هي فرسه وعُدته للقتال
والطراد! انتقاما وثأرا لمن قتل ظلما وعدوانا وخسة ودناءة. والإيقاع الشعري
للقصيدة يلائم ـ من ناحية ـ جو البكائية! والتعبير عن الفقد والثكل! ويناسب ـ من
ناحية أخرى ـ موقف الاحتشاد والتأهب!
- الحارث بن عباد يكسر ظهر الزير سالم
الحارث بن عباد يكسر ظهر الزير سالم
فهو الذي يقول:
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ حُلاَّمْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ هَمَّامْ
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ غُرَّهْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ مُرَّهْ
خرج ابن الحارث بن عُباد بُجيرٌ في نوق له يرعاها، أحكمت عليه أيْدي المهلهل الَّتي وزَّعها في كلّ ناحية وصوب تريد أن تأخُذ من بكْر أيَّة غِرَّة، اقتيد الفتى بُجير إلى المهلْهل الَّذي نسبه فانتسب، وقال: أنا بُجير بن الحارث بن عُباد. انتسب الفتى وذكر أنَّ أباه اعتزل الحرْب بين تغلب وربيعة. حضر الحوار امرؤُ القَيس بن أبان، فنصح المهلهل بعدم قتْل بجير، وذكر أنَّ أباه اعتزل الحرب. عاد المهلهل إلى الفتى وسأله عن أمِّه، فأجاب: بجير. قُدِّم الفتى بُجير ليُقْتَل بأمر المهلهل وبيده. فقال امرؤ القيس بن أبان: واللهِ، ليُقْتَلنَّ بهذا الفتى رجلٌ لا يُسأل عن أمِّه. فقتلَه وقال: بُؤْ بشِسْع نعل كُليب. بلغ خبرُ قتل بجير الحارث بن عباد أباه، فماذا قال؟
- نِعْمَ القتيل بجيرٌ أصلح بدمه بين ابنَي وائل؛ يعني: تغلب وربيعة. - لكن الأمر ليس كما تتصوَّر يا بن عُباد، أتعرف ماذا قال المهلْهل عند قتل ابنَك بُجيرًا؟
- لا. - قال: بُؤْ بنعْل كليب. - أوَقالها حقًّا؟
- نعم.
وبعد وفاته اندمج بنوه في ذرية معاز " ماعز " بن جساس بن مره والذين يعرفون اليوم بمسمى قبيلة بني عطية ( المعازه) الحالية.