قوله تعالى { ورفعناه مكانا عليا} قال أنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وغيرهما: يعني السماء الرابعة. وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال كعب الأحبار. وقال ابن عباس والضحاك: يعني السماء السادسة؛ ذكره المهدوي. قلت: ووقع في البخاري عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر قال سمعت أنس بن مالك يقول: ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة، الحديث وفيه: كل سماء فيها أنبياء - قد سماهم - منهم إدريس في الثانية. وهو وهم، والصحيح أنه في السماء الرابعة؛ كذلك رواه ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذكره مسلم في الصحيح. وروى مالك بن صعصعة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لما عرج بي إلى السماء أتيت على إدريس في السماء الرابعة). خرجه مسلم أيضا. وكان سبب رفعه على ما قال ابن عباس وكعب وغيرهما: أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس، فقال: (يا رب أنا مشيت يوما فكيف بمن يحملها خمسمائة عام في يوم واحد! اللهم خفف عنه من ثقلها. يعني الملك الموكل بفلك الشمس)؛ يقول إدريس: اللهم خفف عنه من ثقلها واحمل عنه من حرها. فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس والظل مالا يعرف فقال: يا رب خلقتني لحمل الشمس فما الذي فيه؟ فقال الله تعالى(أما إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته) فقال: يا رب اجمع بيني وبينه، واجعل بيني وبينه خلة.
- ورفعناه مكانا عليا - ووردز
- قصة إدريس عليه السلام - سطور
ورفعناه مكانا عليا - ووردز
وقال الحافظ ابن كثير فى "تفسير القرآن العظيم":
قال سفيان، عن منصور، عن مجاهد: ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) قال: رفع إلى السماء الرابعة. وقال العوفى عن ابن عباس: ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) قال: رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك بن مُزَاحم. وقال الحسن، وغيره، فى قوله: ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) قال: الجنة "
وقال فى "البداية والنهاية " قوله تعالى: ( ورفعناه مكانا عليا) هو كما ثبت فى الصحيحين فى حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو فى السماء الرابعة. وقال الحافظ ابن حجر فى "فتح البارى": وكون إدريس رفع وهو حى لم يثبت من طريق مرفوعةٍ قوية. والأقرب:
أن يفسر ذلك بما جاء فى حديث أنس رضى الله عنه فى الإسراء، وفيه: " ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا).. " رواه مسلم (259)
ففى هذا دلالة على كونه فى السماء الرابعة، ولا ينافى ذلك الرفعة المعنوية الحاصلة بالنبوة.
قصة إدريس عليه السلام - سطور
فمن دواعي نبوة أحدهم رسالته فحينما يبدأ شخص بحمل رسالة الله بفطرته ، فان الله يختاره نبيا ، لقد كان إبراهيم منذ طفولته يحاور والده و يتكلم معه حول عبادة الاصنام ، و كثير من الانبياء كانوا يحملون الرسالة قبل النبوة ، و ذلك لان الرسالة موجودة في وجدانهم ، فإذا حملها الانسان و رأى الله منه الصدق فانه يرزقه النبوة. وأما لماذا سبقت كلمة ( الرسول) كلمة ( النبي) في الآية ( رسولا نبيا) للاشارة الى ان وسام الرسالة اقدس من وسام النبوة واعلى درجة. وبالنــسبة لاسماعــيل ربما كان صدقه لوعده هو السبب الذي أهله لحمل الرسالة ، كما أن صفة الصدق هي التي أهلت ادريس لحمل رسالة الله ، حيث ان الله يختار رسله من الصادقين العاملين ، ولا يختار من لا تتوفر فيهم هذه الصفات فيقول ربنا: الله اعلم حيث يجعل رسالته)( من هدي القرآن)
ثمّ تشير الآية إِلى مقامه العالي وتقول: (ورفعناه مكاناً علياً). وهناك بحث بين المفسّرين في أن المراد هل هو عظمة مقام إِدريس المعنوية، أم الإِرتفاع المكاني بين المفسّرين في أنّ المراد هل هو عظمة مقام إِدريس المعنوية، أم الإِرتفاع المكاني الحسي؟ فالبعض اعتبر ذلك إِشارة إِلى المقامات المعنوية والدرجات الروحية لهذا النّبي الكبير، والبعض الآخر يعتقد أن الله سبحانه قد رفع إِدريس كالمسيح إِلى السماء، واعتبروا التعبير بـ (مكان عليّ) إِشارة إِلى هذا.
وفي الآيات ثناء منه تعالى عليه جميل فقد عدّه نبياً وصديقاً ومن الصابرين ومن الصالحين، وأخبر أنه رفعه مكاناً علياً. قالوا: إن إدريس النبي كان اسمه أُخنوخ وهو من أجداد نوح عليهما السلام على ما ذكر في سفر التكوين من التوراة، وإنما اشتهر بإدريس لكثرة اشتغاله بالدرس (الميزان)
قال تعالى: { واذكر} يا محمد { في الكتاب} الذي هو القرآن
{ إدريس} وهو جد أب نوح (ع) واسمه في التوراة أخنوخ. وقيل: إنه سمي إدريس لكثرة درسه الكتب وهو أول من خط بالقلم وكان خياطاً وأول من خاط الثياب. وقيل: إن الله تعالى علَّمه النجوم والحساب وعلمه الهيأة وكان ذلك معجزة له { إنه كان صديقاً نبياً} مرَّ معناه. (مجمع البيان)
القرآن يذكرنا بصفة من صفاته التي يجب أن تتوفر عند الانسان وهي كونه صديقا. و الصديق صيغة مبالغة من صفة الصادق وهو الذي يصدق في المواقف الصعبة ، و يكون الصدق صبغة لحياته كلها. يمكن ملاحظة ان ذكر الانبياء في عدة آيات يكون مسبوقا بصفات مختلفة ، فترى مثلا ( و كان رسولا نبيا) ( و كان صادق الوعد و كان رسولا نبيا) ، ( انه كان صديقا نبيا). مما يوحي الينا فيما يبدو: ان من اسباب نبوة هؤلاء هي تلك الصفات الفاضلة التي تحلوا بها.