ذات صلة سبب نزول لا إكراه في الدين سبب نزول عبس وتولى
لماذا نزل قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجاً؟
ذكر بعض المفسّرين وأصحاب السير أن نزول آيات: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا). [١]
جاء في عوف بن مالك الأشجعي، وقد كان صاحب فاقة، حيث جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وشكى له قلّة حيلته في فداء ابنه الذي أسره المشركين، إضافة لحزن والدته على فراقه وجزعها، فأمره الرسول بالصبر والتقوى والإكثار من قول لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فما كان منهما سوى اتباع قول الرسول، حتى غفل العدو عن ابنهما وخرج من بين أيديهم وقد ساق غنمهم وهي أربعة آلاف شاة، وجاء بها إلى والده فنزلت الآية. [٢]
بَيد أنّه يُجدر بالذكر أن أغلب الأحاديث الواردة في هذه الرواية ضعيفة، ومن المحدّثين من جعلها موضوعة، إلّا أنّ منهم من رفع من قوّة الأحاديث إلى الحسن أو ما يُشبه الحسن، واستندوا في ذلك إلى مجموع طُرقه وشواهده، وقد جاءت بألفاظ مختلفة منها الإبل ومنها الغنم.
ومن يتق الله يجعل
حدثنا أَبو كُرَيب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، يحدث عن أُبيّ بن كعب، قال: " سألت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) قال: أجَلُ كُلّ حامِل أن تضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا ". حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) قال: للمرأة الحُبلى التي يطلقها زوجها وهي حامل، فعدتها أن تضع حملها. ومن يتق الله يجعل له مخرج. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) فإذا وضعت ما في رحمها فقد انقضت عدتها، ليس المحيض من أمرها في شيء إذا كانت حاملا. وقال آخرون: ذلك خاصّ في المطلقات، وأما المتوفى عنها فإن عدتها آخر الأجلين، وذلك قول مرويّ عن عليّ وابن عباس رضي الله عنهما. وقد ذكرنا الرواية بذلك عنهما فيما مضى قبل.
[٣]
تفسير القرطبي
يبيِّن الله -عزَّ وجلَّ- أنَّ ما سبق الحديث عنه من أحكامِ الطلاقِ إنَّما هو أمره الذي أنزله إلى المسلمينَ وبيَّنه لهم، ثمَّ يُخبرُ هؤلاءِ المسلمينَ بأنَّ الذي يطيعه فيما أمرَ، سيكونُ جزاؤه محوَ السيئاتِ عنه في الدنيا، وإجزال العطاءِ له في الآخرة. [٤] ثمَّ أشارَ القرطبي إلى أنَّ الصلاةَ إلى الصلاةِ، وكذلك الجمعةُ إلى الجمعةِ، تعدُّ سببًا من أسبابِ تكفيرِ الذنوبِ، وهي من الأعمالِ التي أمرَ الله -عزَّ وجلَّ- بها، [٤] وذلك مصداقًا لقولِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ). [٥]
تفسير ابن عاشور
إنَّ الأحكامَ السابقة التي تحدثت عنها الآياتِ السابقةِ، إنَّما هي حكمُ الله -عزَّ وجلَّ- وشرعه الذي شرعه وأنزله إلى عبادهِ، وأبلغها لهم بواسطة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد أشار ابن عاشورٍ إلى أنَّ التعبير عن إبلاغ القرآنِ الكريم والأحكامِ إنَّما جاء بكلمة أنزله في قوله تعالى: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ) ، [١] بيانًا لشرفِ معاني القرآنِ الكريمِ وألفاظهِ.