وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) وقوله (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ) كان مجاهد يوجه معنى قوله (يُؤْذُونَ) إلى يقفون. ذكر الرواية عنه: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ) قال: يقفون. فمعنى الكلام على ما قال مجاهد: والذين يقفون المؤمنين والمؤمنات. ويعيبونهم طلبا لشينهم (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) يقول: بغير ما عملوا. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) قال: عملوا. ان الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات. حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: قرأ ابن عمر: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) قال: فكيف إذا أوذي بالمعروف، فذلك يضاعف له العذاب. حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن ثور، عن ابن عمر ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) قال: كيف بالذي يأتي إليهم المعروف.
إن الذين يؤذون المؤمنين في
{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [ سورة الأحزاب: 57-58]. سبب نزول الآية:
قال عكرمة { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} نزلت في المصورين، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يقول الله عزَّ وجلَّ: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره » ومعنى هذا أن الجاهلية كانوا يقولون: يا خيبة الدهر، فعل بنا كذا وكذا، فيسندون أفعال الله إلى الدهر ويسبونه، وإنما الفاعل لذلك هو الله عزَّ وجلَّ فنهى عن ذلك، وقال ابن عباس في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم في تزويجه صفية بنت حيي بن أخطب. يقول ابن كثير والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء، ومن آذاه فقد آذى الله كما أن الطاعة فقد أطاع الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه » [ أخرجه أحمد والترمذي].
إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:61]
يقول تعالى: ومن المنافقين قومٌ يُؤذون رسول الله ﷺ بالكلام فيه. وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ أي: مَن قال له شيئًا صدَّقه فينا، ومَن حدَّثه صدَّقه، فإذا جئناه وحلفنا له صدَّقنا. رُوي معناه عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. قال الله تعالى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أي: هو أذن خير؛ يعرف الصادق من الكاذب. يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي: ويُصدق المؤمنين. الذين يؤذون المؤمنين بغير ما اكتسبوا. وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أي: وهو حجّة على الكافرين؛ ولهذا قال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. الشيخ: وهذا من فضائح المنافقين، فالمنافقون لهم فضائح، ولهم أعمال شنيعة، ومنها هذا الذي ذكره الله جلَّ وعلا. ومنهم الذين يقولون: هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ، يعني يرمونه ﷺ بأنه لا يعتني بما يسمع، يسمع من كلِّ مَن هبَّ ودبَّ، ما يُبالي، يسمع من الصادقين والكاذبين، فقال الله رادًّا عليهم: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يسمع ما يُقال، ويُميز بين الحقِّ والباطل، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ فليس كأحدكم أو كغيركم ممن لا يُبالي، بل هو أذن خيرٍ يسمع القيلَ والقالَ، ويردّ على المبطلين، ويصدق الصادقين، ويثني على الأخيار، ويذم الأشرار، ويُبين الحقَّ لعباد الله، ولولا سماعه لهذا وهذا لما تمكَّن من إخبارهم بما يجب عليهم.
إن الذين يؤذون المؤمنين كتابا
الشيخ: "نُفلت" ما يُخالف، و"ننفلت" بنونين ما يُخالف، تصلح هذا وهذا: "ننفلت" و"نفلت" كلها طيبة، يعني: نسلم من معرّة هذا القول الشَّنيع. وقال رسولُ الله ﷺ -فيما بلغني- لعمار بن ياسر: أدرك القومَ فإنهم قد احترقوا، فاسألهم عمَّا قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى قلتُم كذا وكذا ، فانطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله ﷺ يعتذرون إليه، فقال وديعةُ بن ثابت ورسول الله واقفٌ على راحلته، فجعل يقول وهو آخذ بحقبها: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، فقال مخشي بن حمير: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي، فكان الذي عُفي عنه في هذه الآية مخشي بن حمير، فتسمَّى: عبدالرحمن، وسأل الله أن يُقتل شهيدًا لا يُعلم بمكانه، فقُتل يوم اليمامة ولم يُوجد له أثرٌ. وقال قتادة: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ، قال: فبينما النبيُّ ﷺ في غزوة تبوك وركبٌ من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظنّ هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها، هيهات! هيهات! إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات. فأطلع الله نبيَّه ﷺ على ما قالوا، فقال: عليَّ بهؤلاء النَّفر ، فدعاهم فقال: قلتُم كذا وكذا ، فحلفوا: ما كنا إلا نخوض ونلعب. وقال عكرمةُ في تفسير هذه الآية: كان رجلٌ ممن إن شاء الله عفا عنه يقول: "اللهم إني أسمع آيةً أنا أعنى بها تقشعر منها الجلود، وتجب منها القلوب، اللهم فاجعل وفاتي قتلًا في سبيلك، لا يقول أحدٌ: أنا غسلتُ، أنا كفنتُ، أنا دفنتُ"، قال: فأُصيب يوم اليمامة، فما من أحدٍ من المسلمين إلا وقد وُجِدَ غيره.
سلسلة الطفل المسلم الملتزم//الحلقات القصيرة//5//الذين يؤذون المؤمنين//كرتون إسلامي هادف - YouTube