نحن نرزقكم واياهم. نحن نرزقهم واياكم
" في تفسير البحر المحيط "
"ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم" الأنعام (151)
"ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم " الإسراء (31)
قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط:"... جاء التركيب هنا نحن نرزقكم وإياهم ، وفي الإسراء نحن نرزقهم وإياكم فيمكن أن يكون ذلك من التفنن في الكلام ويمكن أن يقال في هذه الآية جاء من إملاق فظاهره حصول الإملاق للوالد لا توقعه وخشيته وإن كان واجدا للمال فبدأ أولا بقوله: نحن نرزقكم خطابا للآباء وتبشيرا لهم بزوال الإملاق وإحالة الرزق على الخلاق الرزاق ، ثم عطف عليهم الأولاد. وأما في الإسراء فظاهر التركيب أنهم موسرون وإن قتلهم إياهم إنما هو لتوقع حصول الإملاق والخشية منه فبدئ فيه بقوله: نحن نرزقهم إخبارا بتكفله تعالى برزقهم فلستم أنتم رازقيهم وعطف عليهم الآباء وصارت الآيتان مفيدتين معنيين. نحن نرزقكم واياهم ونحن نرزقهم واياكم. أحدهما: أن الآباء نهوا عن قتل الأولاد مع وجود إملاقهم. والآخر: أنهم نهوا عن قتلهم وإن كانوا موسرين لتوقع الإملاق وخشيته وحمل الآيتين على ما يفيد معنيين أولى من التأكيد. "
[الإسراء: 31] وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا
الجلالين
الطبري
ابن كثير
القرطبي
البيضاوي
البغوي
فتح القدير
السيوطي
En1
En2
31 - (ولا تقتلوا أولادكم) بالوأد (خشية) مخافة (إملاق) فقر (نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ) إثما (كبيرا) عظيما
يقول تعالى ذكره " وقضى ربك " يا محمد " أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " ،" ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " فموضع تقتلوا نصب عطفا على ألا تعبدوا. ويعني بقوله " خشية إملاق " خوف إقتار وفقر. وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى ، وذكرنا الرواية فيه. لانما قال جل ثناؤه ذلك للعرب ، لأنهم كانوا يقتلون الإناث من أولادهم خوف العيلة على أنفسهم بالإنفاق عليهن. كما حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق": أي خشية الفاقة، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك ، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله ، فقال " نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا". حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " خشية إملاق " قال: كانوا يقتلون البنات.
وقوله "إن قتلهم كان خطأ كبيراً" أي ذنباً عظيماً, وقرأ بعضهم: كان خطأ كبيراً وهو بمعناه, وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم: قال "أن تجعل لله نداً وهو خلقك ـ قلت: ثم أي ؟ ـ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ـ قلت: ثم أي ؟ ـ قال: أن تزاني بحليلة جارك". وفي هذه الآية دليل على أنه المتكفل بأرزاق عباده، فلذلك قال بعدها 31- "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق" أملق الرجل لم يبق له إلا الملقات: وهي الحجارة العظام الملس. قال الهذلي يصف صائداً:
أتيح لها أقيدر ذو خشيف إذا سامت على الملقات ساما
الأقيدر تصغير الأقدر: وهو الرجل القصير، والخشيف من الثياب: الخلق، وسامت مرت، ويقال أملق إذا افتقر وسلب الدهر ما بيده. قال أوس:
نهاهم الله سبحانه عن أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر، وقد كانوا يفعلون ذلك، ثم بين لهم أن خوفهم من الفقر حتى يبلغوا بسبب ذلك إلى قتل الأولاد لا وجه له، فإن الله سبحانه هو الرازق لعباده يرزق الأبناء كما يرزق الآباء فقال: "نحن نرزقهم وإياكم" ولستم لهم برازقين حتى تصنعوا بهم هذا الصنع، وقد مر مثل هذه الآية في الأنعام ثم علل سبحانه النهي عن قتل الأولاد لذلك بقوله: " إن قتلهم كان خطأ كبيرا " قرأ الجمهور بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمز المقصور.
وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ (خِطاءً) بِكَسْرِ الخاءِ، وفَتْحِ الطّاءِ، وألِفٍ بَعْدَ الطّاءِ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ مَمْدُودًا، وهو فِعالٌ مَن خَطِئَ إذا أجْرَمَ، وهو لُغَةٌ في خَطَأ، وكَأنَّ الفِعالَ فِيها لِلْمُبالَغَةِ، وأُكِّدَ بِ (إنَّ) لِتَحْقِيقِهِ رَدًّا عَلى أهْلِ الجاهِلِيَّةِ إذْ كانُوا يَزْعُمُونَ أنَّ وأْدَ البَناتِ مِنَ السَّدادِ، ويَقُولُونَ: دَفْنُ البَناتِ مِنَ المَكْرُماتِ، وأُكِّدَ أيْضًا بِفِعْلِ (كانَ) لِإشْعارِ (كانَ) بِأنَّ كَوْنَهُ إثْمًا أمْرًا اسْتَقَرَّ.
والمُرادُ بِالأوْلادِ خُصُوصُ البَناتِ؛ لِأنَّهُنَّ اللّاتِي كانُوا يَقْتُلُونَهُنَّ وأْدًا، ولَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُنَّ بِلَفْظِ الأوْلادِ في هَذِهِ الآيَةِ، ونَظائِرِها؛ لِأنَّ البِنْتَ يُقالُ لَها: ولَدٌ، وجَرى الضَّمِيرُ عَلى اعْتِبارِ اللَّفْظِ في قَوْلِهِ ﴿نَرْزُقُهُمْ﴾. والخِطْأُ بِكَسْرِ الخاءِ وسُكُونِ الطّاءِ مَصْدَرُ خَطِئَ بِوَزْنِ فَرِحَ، إذا أصابَ إثْمًا، ولا يَكُونُ الإثْمُ إلّا عَنْ عَمْدٍ، قالَ تَعالى ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨] وقالَ ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٦]. (p-٨٩)وأمّا الخَطَأ بِفَتْحِ الخاءِ والطّاءِ فَهو ضِدُّ العَمْدِ، وفِعْلُهُ: أخْطَأ واسْمُ الفاعِلِ مُخْطِئٌ، قالَ تَعالى ﴿ولَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥]. وهَذِهِ التَّفْرِقَةُ هي سِرُّ العَرَبِيَّةِ، وعَلَيْها المُحَقِّقُونَ مِن أئِمَّتِها. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿خِطْئًا﴾ بِكَسْرِ الخاءِ وسُكُونِ الطّاءِ بَعْدَها هَمْزَةٌ، أيْ إثْمًا، وقَرَأهُ ابْنُ ذَكْوانَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ، وأبُو جَعْفَرٍ (خَطَأً) بِفَتْحِ الخاءِ وفَتْحِ الطّاءِ، والخَطَأُ ضِدُّ الصَّوابِ، أيْ أنَّ قَتْلَهم مَحْضُ خَطَأٍ لَيْسَ فِيهِ ما يُعْذَرُ عَلَيْهِ فاعِلُهُ.
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قال مجاهد " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " قال: الفاقة والفقر. حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " خشية إملاق " يقول: الفقر. وأما قوله " إن قتلهم كان خطأ كبيرا" فإن القراء اختلفت في قراءته ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والعراق " إن قتلهم كان خطأ كبيرا" بكسر الخاء من الخطأ وسكون الطاء. وإذا قرىء ذلك كذلك ، كان له وجهان من التاويل: أحدهما أن يكون اسما من قول القائل: خطئت فأنا أخطا، بمعنى: أذنبت وأثمت. ويحكى عن العرب: خطئت: إذا أذنبت عمدا، وأخطأت: إذا وقع منك الذنب خطا على غير عمد منك له. والثاني: أن يكون بمعنى خطا بفتح الخاء والطاء، ثم كسرت الخاء وسكنت الطاء، كما قيل: قتب وقتب ، وحذروحذر، ونجس ونجس. والخطء بالكسر اسم ، والخطا بفتح الخاء والطاء مصدر من قولهم: خطىء الرجل ، وقد يكون اسما من قولهم: أخطأ. فأما المصدرمنه فالإخطاء. وقد قيل،: خطىء، بمعنى أخطا،
كما قال الشاعر:
يا لهف هند إذ خطئن كاهلا
بمعنى: أخطان. وقرأ بعض قراء أهل المدينة إن قتلهم كان خطأ بفتح الخاء والطاء مقصورآ على توجيهه إلى أنه اسم من قولهم: أخطا فلان خطأ.
وقرأه بعض قراء أهل مكة إن قتلهم كان خطاء بفتح الخاء والطاء ، ومد الخطاء بنحو معنى من قرأه خطا بفتح الخاء والطاء غيرأنه يخالفه فى مد الحرف. وكان عامة أهل العلم بكلام العرب من أهل الكوفة وبعض البصريين منهم يرون أن الخطء والخطأ بمعنى واحد، إلا أن بعضهم زعم أن الخطء بكسر الخاء وسكون الطاء في القراءة أكثر، وأن الخطا بفتح الخاء والطاء في كلام الناس أفشى، وأنه لم يسمع الخطء بسكر الخاء وسكون الطاء، في شيء من كلامهم وأشعارهم ، إلا في بيت أنشده لبعض الشعراء:
الخطء فاحشة والمحبر نافلة كعجوة غرست في الأرض تؤتبر
وقد ذكرت الفرق بين الخطء بكسر الخاء وسكون الطاء وفتحهما. وأولى القراء ات في ذلك عندنا بالصواب ، القراءة التي عليها قراء أهل العراق ، وعامة أهل الحجاز، لإجماع الحجة من القراء عليها، وشذوذ ما عداها. وإن معنى ذلك كان إثما وخطيئة، لا خطأ من الفعل ، لأنهم إنما كانوا يقتلونهم عمدا لا خطا، وعلى عمدهم ذلك عاتبهم ربهم ، وتقدم إليهم بالنهي عنه. وبنحو الذي قلنا تي ذلك قال أهل التأيلل. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء ، جميعا، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " خطأ كبيرا" قال: أي خطيئة.