الحديث السابع: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي أخرجه الترمذي. فيه كمال دين الإسلام، وأنه أعطى كل ذي حق حقه، وفيه كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فيه كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لم تُغفله أعباء الرسالة وأمور الأمة عن رعاية أهله، بل كما قال هنا: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي وفيه أن القيام بحق الأهل من التعبد لله تعالى، من التعبد لله تعالى أن تقوم بحق الأهل؛ لأن ذلك أولًا من الواجب الشرعي عليك. وثانيًا: إذا نويت بذلك إسعاد أهلك وإكمال حاجياتهم قربة إلى الله فأنت مأجور، كان بعض السلف يقول، والله إني لأتقرب إلى الله بإخراج القمائم من بيتي، لأن النية تجعل العادة عبادة، ولهذا على دعاة الخير التأدب بهذا.
- خيركم خيركم لاهله و انا خيركم لاهلي
- خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي
- حديث خيركم خيركم لأهله
خيركم خيركم لاهله و انا خيركم لاهلي
وهذا الحَديثُ جُزءٌ من حَديثٍ قال فيهِ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "خيْرُكم خيْرُكم لأهْلِه، وأنا خيْرُكم لأهْلي، وإذا ماتَ صاحبُكم فدَعَوهُ"؛ ومَعناه: الوصيَّةُ بحسْنِ التَّعامُلِ معَ الأهْلِ؛ منَ الزَّوجاتِ والأوْلادِ والأقارِبِ، وقد كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أفضَلَ النَّاسِ عِشْرَةً لأهْلِه جَميعًا. وقولُه: "إذا ماتَ صاحِبُكم"، أي: منَ المؤمِنين والمسلِمين الَّذين تُصاحِبونَهم، "فدَعوه، لا تَقَعوا فيهِ"، أي: فاترُكوا ذِكرَه بكلامٍ سيِّئٍ، بل اذْكروهُ بالذِّكْرِ الحسَنِ وإلَّا فلتُمْسِكوا عن ذِكرِه، وفي هذا دَلالةٌ للأمَّة على المُجاملَةِ وحُسنِ المعاملَةِ مع الأحْياءِ والأمْواتِ. وقيل معناه: إذا مات فاتْركوا مَحبَّتَه والبُكاءَ عليهِ والتَّعلُّقَ بهِ. حديث خيركم خيركم لأهله. وقيل معناه: فاتْرُكوهُ إلى رَحْمةِ اللهِ تَعالى؛ فإنَّ ما عندَ اللهِ خيْرٌ للأبْرارِ. وقيل: أراد النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك نفْسَه، أي: دَعوا واتْركوا التَّحسُّرَ والتَّلهُّفَ عليَّ بعدَ موْتِي؛ لأنَّ عندَ اللهِ خلَفًا عن كلِّ فائتٍ، وفي كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِه ما يَجعلُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كأنَّه حَيٌّ بينكم، وقيل معناه: إذا مِتُّ فدَعوني ولا تُؤذونِي وأهْلَ بيْتي وصَحابَتي وأتْباعَ مِلَّتي.
خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج؛ فقال: « يا معشر الشباب ، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء ». أيها المسلمون، اعلموا أن العلاقة الزوجية رباط قوي محكم، وعقدٌ وصفه الله تبارك وتعالى بقوله: { وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]؛ أي: عهدًا وثيقًا، وهو حق الصحبة والممازحة، أو ما أوثق الله عليهم في شأنهن بقوله: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]. وفي حجة الوداع أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأمور عظام؛ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: « فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ».
حديث خيركم خيركم لأهله
فإمامنا و قدوتنا عليه الصلاة والسلام لم يستنكف أن يأخذ مشورة زوجه أم سلمة في موقف من أهم مواقف في حياته و في مسيرة الدعوة وهذا الموقف هو أحد المواقف التي سجلها التاريخ عن تقدير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأزواجه فضلا عما لم يتم تسجيله؛ لكن حدوثه في مرحلة فاصلة في حياة المسلمين- هو الذي سلط عليه الأضواء بصفة خاصة. فهذا الموقف يدحض أي رأي يحاول التقليل من شأن المرأة، وقدراتها فضلا عما ذخر به القصص القرآني من مواقف تدعم مكانة المرأة وتقر بمواهبها. وهذا لايتعارض أبدا مع تحذير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء ، بل يبين الارتباط الوثيق بين الأمرين، فالهم الخاطئ لمعنى القوامة من قبل الرجل هو البداية الحقيقية لهذه الفتنة ، فسوء فهم الرجل لهذا المعنى يؤدي إلى أحد مسلكين كلاهما مناقض للآخر وكلاهما يتسم بالمغالاة ما بين إفراط و تفريط. من راوي حديث: "خيركم خيركم لأهله"؟ - موضوع سؤال وجواب. فالرجل المتعسف المسبتد لا تنتج زيجته غالبًا سوى امرأة معقدة ناقمة على الرجال و على المجتمع ككل و هنا يخشى فعلًا وقوع الفتنة. كذلك العكس صحيح؛ فحينما يقوم الرجل بالتفريط و يتخلى عن القيام بواجبه في القوامة و التي أول مقتضايتها حماية المرأة ليس من الأخرين فحسب بل من هفوات نفسها صغرت أم كبرت، فمن يسلم نفسه كاملًا لامرأته فيسير تبعًا لأهوائها و نزعاتها التي قد لا تتفق أحيانًا مع دين أو مبدأ؛ و هنا تكون الفتنة واقعة لا محالة.
[٧]
الخيرية المقصودة في الحديث
وتتحقق الخيرية هنا بأداء الواجبات تجاه الأهل، والصفح عنهم، وحسن معاشرتهم، وبشاشة الوجه عند لقياهم، [٨] و (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ)، [١] تدلُّ على أنَّ التَّفضيل هنا يكون مقيداً بعلاقة الإنسان بأهله، وليس بكونه الأفضل في كلِّ حالٍ وعلى جميع الوجوه، [٩] وأمَّا قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وأنا من خيركم لأهلي)، [١] فالمقصود هنا الخيريَّة المطلقةٌ؛ فالنَّبيُّ -عليه الصلاة والسلام- هو أشرف الخلق وأحسنهم خُلُقاً، وكان في عشرة أهله أخير النَّاس. [١٠]
وإذا اطلعنا على سيرة رسولنا الكريم لوجدناها مليئةً بالأمثلة الفريدة على حسن تعامله مع أهل بيته؛ إذ لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يرى في خدمة أهله انتقاصاً من رجولته، أو أنَّها غير متناسبةٍ مع نبوَّته، بل كان متواضعاً خدوماً يقدِّم صورةً رائعةً ليستنَّ المسلمون جميعاً بسنته، [١١] وهذه عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- تقول حينما سُئلت عن النبيِّ -صلوات الله وسلامه عليه- ماذا يصنع في بيته؟ لتقول: (كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ). [١٢]
فضل التعامل مع الأهل بالخير
إنَّ حسن المعاملة ميِّزة لهذا الدِّين العظيم؛ فقد جاء بالأخلاق الحميدة التي تكفل سعادة المنتسبين إليه، فكان لأثر التعامل مع الأهل بالخير فضائل كثيرة، نورد فيما يأتي بعضاً منها:
نيل رضا الله -سبحانه وتعالى-؛ بامتثال أمره والإحسان إلى خلقه.