[رواه ابن أبي الدّنيا، والطّبراني-واللّفظ له-، والبزّار، إلاّ أنّه قال: ( أَخْبِرْنِي بِأَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَقْرَبِهَا إِلَى اللهِ)، وابن حبّان في "صحيحه "]
(7)- الحديث الّسابع:
وعن أبي الدّرداءِ رضي الله عنه قال: قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟)). قَالُوا: بَلَى. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأحزاب - الآية 41. قَالَ:
(( ذِكْرُ اللهِ تعالى)). قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه:" مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ ". [رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدّنيا، والتّرمذي، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد"]. - شـرح:
هذا الحديث ظاهره أنّ الذّكر بمجرّده أفضل من الجهاد، وأفضل من الإنفاق، وقد يُعارض هذا الظّاهر:
أ) أنّ الجهاد والإنفاق في سبيل الله من النّفع المتعدّي، والذّكر عبادة نفعُها قاصر على الذّاكر. ب) وقد سئل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أفضل الأعمال فقال: (( إِيمَانٌ بِاللهِ))، ثمّ قيل: أيّ ؟ فقال: (( جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ))، ثمّ قيل: ثمّ أيّ ؟ فقال: (( حَجٌّ مَبْرُورٌ)).
عليكَ بذكرِ اللهِ دائماً - لا تحزن - عائض بن عبد الله القرني - طريق الإسلام
سنن التّرمذيّ: ٣٣٧٥
• مَن ذكر الله تعالى أحسَّ بسكينة النفس، وطمأنينة القلب، فيحسُّ بالأمن إذا خاف النّاس، والسُّكون إذا اضطرب النَّاس، واليقين إذا شكَّ النَّاس، قال الله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرّعد: 28]. • الذِّكر مُطهِّرٌ للقلب مِن الذُّنوب والوساوس، وطاردٌ للشَّيطان، ويُكسِب القلب رِقَّةً ولينًا، ويجعله مستعداً للخشوع والخضوع لله تعالى، ومنشرحاً للعبادة والطّاعة، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ، كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا جِلَاؤُهَا؟ قَالَ: (كَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ). شُعب الإيمان للبيهقيّ: ١٨٥٩
ومِن أعظم الذِّكر: تلاوة القرآن. عليكَ بذكرِ اللهِ دائماً - لا تحزن - عائض بن عبد الله القرني - طريق الإسلام. • كثرة الذِّكر تُبعد الشَّيطان عن القلب، وأقرب ما يكون الشَّيطان مِن القلب الغافل، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا عَلَى قَلْبِهِ الْوَسْوَاسُ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ غَفَلَ وَسْوَسَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [النّاس: 4]".
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأحزاب - الآية 41
وأجاب القاضي أبو بكر بن العربيّ رحمه الله: بأنّه ما من عمل صالح إلاّ والذّكر مشترط في تصحيحه، فمن لم يذكر الله بقلبه عند صدقته أو صيامه مثلا فليس عمله كاملا، فصار الذّكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية " اهـ. (8)- ورواه أحمد أيضا من حديث معاذ بإسناد جيّد، إلاّ أنّ فيه انقطاعاً. (9)- وعن عبد اللهِ بنِ عمرٍو رضي الله عنه عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنّهُ كان يقول:
((... ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ)). قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ قَالَ:
(( وَلَوْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ)). [رواه ابن أبي الدّنيا، والبيهقيّ من رواية سعيد بن سنان، واللّفظ له]. - (... لا يزال لسانك رطبا بذكر ه. ) أوّل الحديث: (( إنّ لكلّ شيء صَقَالة، وإنّ صقالة القلوب ذكر الله))، ولا تصحّ، لذلك ذكرها الشّيخ الألباني رحمه الله في "ضعيف التّرغيب والتّرهيب". قال في "لسان العرب":" الصّقل الجلاء "، أي: النّقاء والصّفاء. ومثله في الضّعف الحديث الّذي رواه الطّبراني في "الأوسط" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ لِلْقُلُوبِ صَدَأً)) قَالُوا: فَمَا جَلاَؤُهَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قال: (( جَلاَؤُهَا الاِسْتِغْفَارُ)).
الأذكار (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل)
وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا عقبة بن مكرم العمي ، حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري ، حدثنا الحسن بن أبي جعفر ، عن عقبة بن أبي ثبيت الراسبي ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذكروا الله ذكرا كثيرا [ حتى] يقول المنافقون: تراءون. " وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا شداد أبو طلحة الراسبي ، سمعت أبا الوازع جابر بن عمرو يحدث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه ، إلا رأوه حسرة يوم القيامة. " وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى: ( اذكروا الله ذكرا كثيرا): إن الله لم يفرض [ على عباده] فريضة إلا [ جعل لها حدا معلوما ، ثم] عذر أهلها في حال عذر ، غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ، ولم يعذر أحدا في تركه ، إلا مغلوبا على تركه ، فقال: ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) [ النساء: 103] ، بالليل والنهار ، [ في البر والبحر] ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والصحة والسقم ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال
شرح حديث: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عزَّ وجلّ...) - قبس من نور النبوة - أخوات طريق الإسلام
12- قال ابن رجب: ولو لَم يكن في الحرص على المال إلاَّ تضييع العُمر الشريف الذي لا قيمة له، وقد يُمكن صاحبه فيه اكْتَساب الدرجات العُلى والنعيم المُقيم، فضيَّعه بالحِرص في طلب رزقٍ مضمون مقسوم، لا يأتي منه إلاَّ ما قُدِّر وقُسِّم، ثمَّ لا يَنتفع به، بل يَتركه لغيره، ويَرتحل عنه، فيبقى حسابه عليه، ونَفعه لغيره، فيَجمع لِمَن لا يَحمده، ويقدم على مَنْ لا يَعذِره - لكَفاه بذلك ذمًّا للحرص، فالحريص يُضيِّع زمانه الشريف، ويُخاطر بنفسه التي لا قيمة لها في الأسفار وركوب الأخطار؛ لجَمْع مالٍ يَنتفع به غيرُه. 13- قال المناوي: مقصود الحديث:
الحرص على المال والشرف أكثر فسادًا للدين من إفساد الذئبين للغنم؛ لاستدعاء ذلك العُلو والفساد في الأرض. 14- الحديث نصٌّ قاطع في ذمِّ البخل والطمع، والترهيب من فتنة المال والجاه. 15- غوائل المال وآفاته، تَنقسم إلى دينيَّة ودنيويَّة:
أمَّا الدينية، فثلاث فئات:
الأولى: أنه يَجرُّ إلى المعاصي غالبًا؛ لأنه مَن استشعَر القدرة على المعصية، انبعثَت داعيته إليها، والمال نوع من القدرة، يُحَرِّك داعيته إلى المعاصي، ومتى يَئِس الإنسان من المعصية، لَم تتحرَّك داعيته إليها. ومن العصمة ألاَّ تجد، فصاحب القدرة إن اقتَحم ما يَشتهي هَلَك، وإن صبَر، لَقِي شدَّةً في معاناة الصبر مع القدرة، وفتنة السرَّاء أعظم من فتنة الضرَّاء.
أمَّا المال، فإفسادُه أنه نوعٌ من القدرة، يُحَرِّك داعية الشهوات، ويَجرُّ إلى التنعُّم في المباحات، فيصير التنعُّم مألوفًا، ورُبَّما يَشتدُّ أُنسه بالمال، ويَعجِز عن كَسْب الحلال، فيَقتحم في الشُّبهات مع أنها مُلْهِية عن ذِكر الله تعالى، وهذه لا يَنْفَكُّ عنها أحدٌ. وأمَّا الجاه، فيكفي به إفسادًا أنَّ المال يُبذل للجاه، ولا يُبذل الجاه للمال، وهو الشِّرك الخَفِي، فيخوض في المُراءاة والمُداهنة، والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة، فهو أفسدُ وأفسد (تحفة الأحوذي). فقه الحديث وفوائده:
1- في الحديث حثٌّ على التزهُّد من هذين الشيئين. 2- قال ابن تيميَّة: "أقسامُ الناس في طلب الجاه والمال -في هذا الحديث- أربعة:
القسم الأول: يريدون العُلوَّ على الناس والفساد في الأرض بمعصية الله، وهؤلاء هم الملوك والرؤساء المفسدون؛ كفرعون وحِزبه، وهؤلاء هم شرُّ الخَلق؛ قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرة من كِبرٍ، ولا يدخل النارَ مَن في قلبه ذرَّة من إيمان))، فقال رجلٌ: يا رسول الله، إني أحبُّ أن يكون ثوبي حسنًا ونَعلي حسنًا، أفمن الكبر ذاك؟ قال: ((لا؛ إنَّ الله جميل يحبُّ الجمال، الكِبر بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس))، فبَطَر الحقِّ: دَفْعه وجَحْده، وغَمْطُ الناس: احتقارهم وازدراؤهم، وهذا حال مَن يريد العُلوَّ والفساد.