القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) ﴾
يقول تعالى ذكره: ولقد وصلنا يا محمد، لقومك من قريش ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا، إذ كذّبوا رسلنا، وعما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم، واحتذى في الكفر بالله، وتكذيب رسله مثالهم، ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا. وأصله من: وصل الحبال بعضها ببعض؛ ومنه قول الشاعر:
فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ مَا بَالُ ذِمَّةٍ... وَحَبْلٍ ضَعِيفٍ مَا يَزَالُ يُوصَلُ [[البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة، الورقة ١٨١ب) قال: (ولقد وصلنا لهم القول) أي أتممناه. وفي (اللسان: وصل). وفي التنزيل العزيز: (ولقد وصلنا لهم القول): أي وصلنا ذكر الأنبياء وأقاصيص من مضى: بعضها ببعض. والذمة: العهد. والحبل: العهد. وقوله "ما يزال يوصل" أي قد رث وبلي، ويجدد ما بلي منه، حتى كثر فيه الترقيع. ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون. ]] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم ببيانهم عن تأويله، فقال بعضهم: معناه: بيّنا. وقال بعضهم: معناه: فصلنا.
- إعراب قوله تعالى: ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الآية 51 سورة القصص
- قال تعالى: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان - الكلم الطيب
إعراب قوله تعالى: ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الآية 51 سورة القصص
سورة القصص
قوله تعالى: ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون
794 - أخرج ابن جرير والطبراني عن رفاعة القرظي قال نزلت ولقد وصلنا لهم القول في عشرة أنا أحدهم
795 - وأخرج ابن جرير عن علي بن رفاعة قال خرج عشرة رهط من أهل الكتاب منهم رفاعة يعني أباه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمنوا فأوذوا فنزلت الذين آتيناهم الكتاب
796 - وأخرج عن قتادة قال كنا نحدث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على الحق حتى بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - فآمنوا، منهم عثمان وعبد الله بن سلام
وهَذِهِ المُهادَنَةُ هي لِبَنِي إسْرائِيلَ، الكُفّارِ مِنهُمْ، و﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ في هَذا المَوْضِعِ لَيْسَ المَقْصُودُ بِها التَحِيَّةُ، لَكِنَّهُ لَفْظُ التَحِيَّةِ قُصِدَ بِهِ المُتارَكَةُ، وهو لَفْظٌ مُؤْنِسٌ مُسْتَنْزِلٌ لِسامِعِهِ؛ إذْ هو في عُرْفِ اسْتِعْمالِهِ تَحِيَّةً، قالَ الزَجّاجُ: وهَذا قَبْلَ الأمْرِ بِالقِتالِ، و﴿لا نَبْتَغِي الجاهِلِينَ﴾ مَعْناهُ: لا نَطْلُبُهم لِلْجِدالِ والمُراجَعَةِ والمُسابَّةِ. (p-٦٠٠)
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28]. أيها المسلمون: التعبير عن مفارقة الحق، والنكوص على العقب، والانتكاس في مهاوي الهوى، التعبير عنه بالانسلاخ تعبير بليغ يدل على أن آيات الله تعالى تكسو القلب بالإيمان والنور والهدى، والمنسلخ منها قد سلخ ما يكسو قلبه، فكان كالعاري أمام الناس. ولا تعجب - أيها المؤمن - حين ترى المنسلخين من آيات الله تعالى، الناكصين على أعقابهم؛ أشد عداوة للقرآن وللسنة وللشريعة وللمتمسكين بها من الكفار الأصليين، وسبب ذلك ما يجدونه في صدورهم من ضيق وحرج ينفسون عنه بالعداء السافر للحق وأهله، وتلك عاجل عقوبتهم بسبب انسلاخهم من آيات الله تعالى وإعراضهم عنها ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 124] فهذه العداوة الشديدة للإسلام وأهله المتمسكين به، سببها الضنك الذي يجدونه، والضيق الذي يعانونه، ولن ينالوا من دين الله تعالى شيئا، ولا يضرون إلا أنفسهم.
قال تعالى: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان - الكلم الطيب
وقوله - تعالى - ولو شئنا لرفعناه بها أفاد أن تلك الآيات شأنها أن تكون سببا للهداية والتزكية ، لو شاء الله له التوفيق وعصمه من كيد الشيطان وفتنته فلم ينسلخ عنها ، وهذه عبرة للموفقين ليعلموا فضل الله عليهم في توفيقهم ، فالمعنى: ولو شئنا لزاد في العمل بما آتيناه من الآيات فلرفعه الله بعمله. والرفعة مستعارة لكمال النفس وزكائها ، لأن الصفات الحميدة تخيل صاحبها مرتفعا على من دونه ، أي ولو شئنا لاكتسب بعمله بالآيات فضلا وزكاء وتميزا بالفضل ، فمعنى " لرفعناه " ليسرنا له العمل بها الذي يشرف به. وقد وقع الاستدراك على مضمون قوله " ولو شئنا لرفعناه بها " بذكر ما يناقض [ ص: 177] تلك المشيئة الممتنعة ، وهو الاستدراك بأنه انعكست حاله فأخلد إلى الأرض ، أي ركن ومال إلى الأرض ، والكلام تمثيل لحال المتلبس بالنقائص والكفر بعد الإيمان والتقوى ، بحال من كان مرتفعا عن الأرض فنزل من اعتلاء إلى أسفل فبذكر الأرض علم أن الإخلاد هنا ركون إلى السفل أي تلبس بالنقائص والمفاسد. واتباع الهوى ترجيح ما يحسن لدى النفس من النقائص المحبوبة ، على ما يدعو إليه الحق والرشد ، فالاتباع مستعار للاختيار والميل ، والهوى شاع في المحبة المذمومة الخاسرة عاقبتها.
وقال مقاتل: إن ملك البلقاء قال لبلعام: ادع الله على موسى ، فقال: إنه من أهل ديني لا أدعو عليه ، فنحت خشبة ليصلبه فلما رأى ذلك خرج على أتان له ليدعو عليه ، فلما عاين عسكرهم قامت به الأتان ووقفت فضربها ، فقالت: لم تضربني؟ إني مأمورة وهذه نار أمامي قد منعتني أن أمشي فرجع وأخبر الملك فقال: لتدعون عليه أو لأصلبنك ، فدعا على موسى بالاسم الأعظم: أن لا يدخل المدينة ، فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائه ، فقال موسى: يا رب بأي ذنب وقعنا في التيه؟ فقال: بدعاء بلعام. قال: فكما سمعت دعاءه علي فاسمع دعائي عليه ، فدعا موسى عليه السلام أن ينزع عنه الاسم الأعظم والإيمان ، فنزع الله عنه المعرفة وسلخه منها فخرجت من صدره كحمامة بيضاء ، فذلك قوله: " فانسلخ منها ".