فغضب سليمان، وقام عن سريره فدخل منزله ثم خرج إلى الناس؛ فقال: نعم، قد أغناني الله بالحلال عن الحرام، وأمر بإدخال ذلك بيت المال". بل لدينا ما هو أكثر دلالة في تأكيد عفة سليمان بن عبد الملك، وجميع خلفاء بني أمية عن أموال المسلمين، حيث يقول صاحب (أخبار مجموعة): إن الخلفاء الأمويين كانوا إذا جاءتهم جبايات الأمصار والآفاق يأتيهم مع كل جباية عشرة رجال من وجوه الناس وأجنادها، فلا يدخل بيت المال من الجباية دينار ولا درهم حتى يحلف الوفد بالله الذي لا إله إلا هو ما فيها دينار ولا درهم إلا أُخِذَ بحقه، وإنه فضل أعطيات أهل البلد من المقاتلة". فهل يكفي ذلك في الدلالة على عفة سليمان وورعه عن أموال المسلمين، وأن ما رُويَ من غضبه على موسى بسبب الأموال والهدايا لم يكن إلا محض اختلاق. سليمان بن عبد الملك - عهد بن اُمية - جلال الدين السيوطى - طريق الإسلام. أما قتيبة بن مسلم فقد راح ضحية تسرعه -يرحمه الله- فلم يأمر سليمان بقتل قتيبة، بل أرسل إليه كتاب توليته على خراسان، ولكنه هو الذي أسرع وأعلن الثورة، وخلع طاعة الخليفة؛ مما أدَّى إلى خروج الجند عليه وقتله. أما محمد بن القاسم فقد راح ضحية أحقاد شخصية بين والي العراق صالح بن عبد الرحمن وبين آل الحجَّاج، ولم يثبت أن سليمان أمر بقتل محمد بن القاسم، وإذا كان هناك من مسئولية على سليمان فقد تكون محصورة في السكوت على قتل محمد بن القاسم، وعدم معاقبة قاتليه، وقد يكون له مبرراته في ذلك، ولو كان الأمر يحتاج إلى قصاص لما سكت عنه عمر بن عبد العزيز.
سليمان بن عبد الملك - عهد بن اُمية - جلال الدين السيوطى - طريق الإسلام
، وكان محمد بن سيرين يترحم على سليمان بن عبد الملك، ويقول: افتتح خلافته بخير وختمها بخير، افتتحها بإجابة الصلاة لمواقيتها، وختمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز.
وكانت نهاية قادة الفتح التي الذين وضعم سليمان نهاية محزنة، فقد قُتل محمد بن القاسم على يد عامل الخراج صالح بن عبد الرحمن في العراق بسبب أحقاد شخصية، وتوفي قتيبه بن مسلم نتيجةً لتسرعه فقد شك في نوايا سليمان بإتجاهه دون أن يتأكد وأعلن العصيان، وقام أتباع سليمان بقتله، أما موسى بن نصير وضع في الإقامة الجبرية بعد أن تأكد سليمان من وجود تلاعب في الكشوفات ووجود بعض المخالفات، وكان سليمان معاتباً ولكنه أصفح عنه ووضعه مستشاراً. سياسة سليمان بن عبد الملك الخارجية: جبهة المشرق: لم تحدث أي أعمال مثيرة للاهتمام في المشرق بعد وفاة محمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم؛ وذلك لأن ظروف الدولة الأموية االسياسية لم تكن مستقرة حينها، فقد انشفلت بإخماد الحركات التي حدثت حينها مثل حركة الخوارج وحركة يزيد بن مهلب، كما أن الخلافات بين العرب في خراسان تجددت، وقام العباسيون باستغلال ذلك وبدأت دعواتهم السرية، وزادت الخلافات بين أفراد البيت الأموي مما أضعف الدولة، لكن رغم ذلك استطاعوا المحافظة على االمكتسبات التي تحققت، وحاولوا أن يثبتوا أقدامهم في الأقاليم الشرقية. الحصار الثالث للقسطنطينية في عهد سليمان بن عبد الملك: لم تلقى محاولات الفتح في عهد معاوية بن أبي سفيان النجاح، إلا أن الخليفة سليمان كان مُصِرَّاً على إرسال الجيوش لفتح القسطنطينية، فأشار له موسى بن نصير أن يقوم بفتح ما حولها لتضعف قوتها ثم يقوم بفتح القسطنطينية، لكن أخاه مسلمة أشار له أن يقوم بفتح القسطنطينية غصباً ويكون فتح ما حولها هيناً بعدها، وأخذ سليمان برأي مسلمة.
سليمان بن عبد الملك | ثرثرة عاقلة عن عالم مجنون ..
إن الله قد أخذ على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه، أي لا ينبذونه وراء ظهورهم. قال سليمان: يا أبا حازم: كيف لنا أن نصلح ما فسد منا؟ فقال: المأخذ في ذلك قريب يسير يا أمير المؤمنين، فاستوى سليمان جالسا من اتكاءه فقال: كيف ذلك؟ فقال: تأخذ المال من حله، وتضعه في أهله، وتكف الأكف عما نهيت عنه وتمضيها فيما أمرت به. سليمان بن عبد الملك | ثرثرة عاقلة عن عالم مجنون ... قال سليمان: ومن يطيق ذلك؟ فقال أبو حازم: من هرب من النار إلى الجنة، ونبذ سوء العادة إلى خير العبادة، فقال سليمان: اصحبنا يا أبا حازم، وتوجه معنا تصب منا ونصب منك، فقال أبو حازم: أعوذ بالله من ذلك!. قال سليمان: ولم يا أبا حازم؟ قال: أخاف أن أركن إلى الذين ظلموا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات، فقال سليمان: فتزورنا؟قال أبو حازم: إنا عهدنا الملوك يأتون على العلماء، ولم يكن العلماء يأتون الملوك، فصار في ذلك صلاح الفريقين، ثم صرنا الآن في زمان العلماء يأتون الملوك، والملوك تقعد عن العلماء، فصار ذلك فساد الفريقين جميعا. اللهم وفقنا لما وفقت إليه القوم، وأيقظنا من سنة الغفلة والنوم، وارزقنا الاستعداد لذلك اليوم، الذي يربح فيه المتقون، اللهم وعاملنا بإحسانك، وجد علينا بفضلك وامتنانك، واجعلنا من عبادك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
٢ وقد كان قتل قتيبة مصيبة كبيرة سببتها العصبية
الجاهلية القبلية. وما إن بلغت أخبار قتل قتيبة مسامع
سليمان حتى جاءه سنة ٩٧ خبر مقتل عبد العزيز بن موسى بن
نصير أمير الأندلس، وقيل إنه هو الذي أمر بقتله لما غضب
على أبيه موسى بن نصير، فلما قُتل وجيء برأسه ووُضع بين
يدي أبيه تجلَّد وقال: قتلتموه، وكان والله صوَّامًا
قوَّامًا. ثم إن سليمان ولَّى الأندلس الحارث بن عبد الرحمن
الثقفي، كما عزل عبد الله بن موسى بن نصير عن إفريقية،
وولاها محمد بن يزيد القرشي. نصيحة أبي حازم التابعي لسليمان بن عبد الملك. وفي سنة ٩٨ ولَّى يزيد بن المهلب بلاد المشرق، فذهب وفتح
بلاد جرجان وطبرستان.
نصيحة أبي حازم التابعي لسليمان بن عبد الملك
وقلق المسلمين من هذه التدابير ولكن عزيمتهم بقيت صامدة ولم تضعف، فبنوا البيوت من الأخشاب واحتموا فيها من برد الشتاء، وبعدها وصلت امدادات برِّية من أفريقيا وبحرية من مصر وكان عليها العدبد من البحارة المسيحيين، إذ ساعدت هذه الإمدادات على تشديد الحصار واستمراره. وبعدها أرسل سليمان ابنه داوود على رأس حملة لإثارة الاضطرابات في آسيا الصغرى ولدعم مسلمة بن عبد الملك، لكنه فشل في مهمته، فلم يستطع الوصول لمسلمه بسبب التدابير التي اتخذها ليو الثالث، وبعدها عجز المسلمون على تطويق الجبهة الشمالية بسبب نقص المؤن وعدم قدرتهم على أخذ الدعم من الشام، بالرغم من أنهم كانوا يزرعون ويأكلون من إنتاج زراعتهم. وفي تلك السنة جاء برد قارص شلَّ حركة المسلمين وأضعفها، وقام البلغار بمهاجتهم من الجانب الأوروبي بالتحالف مع ليو الثالث، وتغلبوا حينها على القائد الحربي عمر بن هبيرة، وأرسلوهم بعيداً عن العاصمة، كما حدث ضرر كبير للسفن الإسلامية بسبب النار الإغريقية، والذي زاد الأمر سوءاً تواطؤ المسيحيين في الجيش الإسلامي بعد تحريضهم من قبل ليو على العصيان. سليمان بن عبد الملك. وبعد وفاة سليمان واعتلاء عمر بن عبد العزيز العرش، والذي لم يكن مهتماً بأمر سياسة الفتوحات؛ لأنها تكلفه أرواحاً وتكاليفاً كثيرة، وأنقذ المسلمين حينها كتاباً أرسله عمر بن عبد العزيز يخبرهم به بإنهاء الحصار والعوده إلى الشام، ورفع حينها مسلمة بن عبد الملك الحصار وأعادت السفن المتبقية من الأسطول بنقل الجنود، لكنها تعرضت لعاصفة أثناء عبورها الأرخبيل، فتشتت السفن وهاجمها البيزنطيين ولم يتبقى منها إلا عشر.
والأعلام الشرقية ١: ١٤٣ ومعجم المطبوعات ٥١٥ وانظر لمحات أدبية عن ليبيا ٦٧ - ١٠٤ وفيه: وفاته في ربيع الآخر ١٣٦٠ هـ ١٩٤١ م. ؟ (٢) ابن الأثير ٥: ١٤ والطبري ٨: ١٢٦ وابن شاكر ١: ١٧٧ واليعقوبي ٣: ٣٦ وابن خلدون ٣: ٧٤ والمسعودي ٢: ١٢٧ والخميس ٢: ٣١٤ و ٣١٥ وفيه: (كان طويلا جميلا أبيض كبير الوجه مقرون الحاجبين فصيحا بليغا، متوقفا عن الدماء، معجبا بنفسه، أكولا جدا).