حسن حافظ السعيدي
المعروف عن مفردة (الرثاء) وفي جملة ما تفيد من معنىً: انها بكائيات ونحيب يندب فيها الباكي عمّن رحلوا عنه! شعرا كان ام نثرا! ولعل اقدم من رثى ذاته هو الشاعر ( مالك بن الرّيب) الذي مرض في الطريق بعد ان كان قد عاد من حرب كان فيها غازيا ، فلم يجد من يُواسيه ويخفف عنه، سوى أدوات القتال التي اشتهر بها ،اذ انشد بحزن وألم:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً بجنبِ الغضا أزجِي القوّاص النواجيا
تذكرتُ من يبكي عليّ فلم اجدْ سوى السيف والرمحُ الرّديني باكيا
اما الشاعر الحروفي المبدع ( أديب كمال الدين) فقد جاء لينشد في قصيدة, قال الذئب: انا هو البحر
عن مرثاتك الكبيرة ،
كتبت الكثير
لأنها علمتني الكثير ،
لأنني أحاول ان انساها ،
وانسى شظاياها المتناثرة هنا وهناك ،
في الفراش / وفوق الطاولة / وفي جواز السفر
واذا كان الشاعر الانكليزي ( تي. أس. الا ليت شعري هل ابيتن ليلة بوادي القرى. اليوت T. ) في قصيدته ذائعة الصيت ( الأرض الخراب Waste Land)يرثي فيها موت الحضارة الغربية ، وذلك في عام 1922فأننا بدورنا سوف لن نعثر في قلب شاعر عراقي مبدع ألا وهو ،عيسى حسن الياسري ، الذي هو الاخر بات قلبه يبث لواعجه واحزانه الى القرية بألم فلا يجد اذنا صاغية ، حيث يذهب الى القول باحباط ( لا أحد يصغي الى بكاء الاخر) لذا تعالوا معي نستمع الى نشيجه في مرثاة أليمة:
سوف لن اثقلَ عليكم بمراسيمَ دفني /
زخةُ مطرٍ /
وبضعُ غاقاتٍ يحلقنّ قريبا من نعشي /
ومرافقتك لي ـ/
وجَناز يليقُ بملك..!
- الا ليت شعري هل ابيتن ليلة بجنب الغضا
- الا ليت شعري هل ابيتن ليلة بوادي القرى
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة بجنب الغضا
ومع ذلك يعيش الإنسان ويربى على حب الوطن والانتماء إليه، فكلمة الوطن تعني الكثير فهو لكل واحد منا كبيته الذي يملكه. وحب الوطن متأصل في النفس البشرية، ونعني بالوطنية: الشعور بانتماء الشخص لوطنه حيث الولاء والانتماء، ومن حق الوطن على المواطن الوفاء والفداء والحماية ورحم الله شوقي حين قال: وللأوطانِ في دمِ كلِّ حرٍّ يدٌ سلفَتْ ودَينٌ مُستحقُّ
وكل شخص يعيش في هذا الوطن يجب عليه تقديم المزيد من الحب والانتماء والوفاء والإخلاص له. والإنسان السوي يعتبر أن الوطن هو نفسه أو أهله أو بيته، وأنه قطعة منه، وقد أدركت الشعوب المتحضرة قيمة الوطن، فكانت دوما رهن إشارة أوطانها، تلبي داعي الوطن، وتربط مصائرها بمصير أوطانها. ومن أحسن ما قيل في الرضا بالأوطان، ومحبتها:
ولي وطن أليت ألا أبيعه... وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم... مأرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم... حب الأوطان فطرة الإنسان - موقع مقالات إسلام ويب. عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وكم بكى الرجال لفراق الأوطان، وأحسوا بغصة، لترك المرابع والخلان، ومن منا لا يحفظ كلمات البارودي من منفاه الإجباري
أَبِيتُ في غُرْبَةٍ لا النَّفْسُ رَاضِيَةٌ بِها وَلا المُلْتَقَى مِنْ شِيعَتِي كَثَبُ
فَلا رَفِيقٌ تَسُرُّ النَّفْسَ طَلْعَتُهُ وَلا صَدِيقٌ يَرَى ما بِي فَيَكْتَئِبُ.
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة بوادي القرى
وعلى هذه النهاية تنغلق دائرة العتب واللوم والدعاء ، في طلب الرجاء بالعودة اليها.. وتكاد ضمن هذا السرد من الشعر المنثور تكاد القصائد كلها تتمحور حول هذا الهدف الوجداني العاطفي ،
عدا قصيدة ( اغتيال وطن) اذ تنشد له: عشرون رصاصة / لم تكفهم واحدة / فهم لايعترفون بالأيمان المفردة / عشرون رصاصة / كانت تطعن وجه السماء / بينما كانت روحك تمدُّ يديها/ كي ترقع ثقوب الجسد / التي تمطر فوق الياسمين /عشرون رصاصة / كانت ثمنا لاغتيال وطن! ) وأخيرا وبقدر ما اشعر بعذوبة مناجاتها للحبيب الذي لانراه اذ لم يرد على لسانه من خطاب الا في قصيدة واحدة تاتي على شكل حوار في قصيدة ( مشهد) وأخيرا اسوق للشاعرة من بغداد الى البصرة اجمل تمنياتي لها في عطاء افضل قادم. مرثية مالك بن الريب مبوبة مسموعة. تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
فكان أن أغراه سعيد بن عثمان بالجهاد في سبيل الله بدلاً من قطع الطريق، بعد أن وعده بأن يغنيه إذا ما كفّ عن أفعاله تلك، وجعل له كل شهر خمسمئة درهم، فاستجاب مالك لنصح سعيد، فذهب معه وأبلى بلاءً حسناً وحسنت سيرته، وتبدلت طريقة حياته تماماً، وعقب الغزو، وبينما هم في طريق العودة من خراسان، مرض ابن الريب مرضاً شديداً، أو يقال إن حية لسعته، وهو في القيلولة فسرى السم في عروقه وأحس بالموت، وكان معه صديقاه فراح يبثهما حزنه وألمه بعد أن غادروا جميعاً حياة الصعلكة والتشرد إلى حياة جديدة، فأخذ يذكّر صاحبيه بحياتهم السابقة، أيام الشجاعة والقوة.