فلاح الفرد المؤمن وفلاح الجماعة المؤمنة. من هم المؤمنون الذين كتب الله لهم هذه الوثيقة، ووعدهم هذا الوعد؟ إنهم هؤلاء الذين يفصِّل السياق صفاتهم بعد آية الافتتاح. فما قيمة هذه الصفات؟
قيمتها أنها ترسم شخصية المسلم في أفقها الأعلى، أفق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير خلق الله، الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه. {الذين هم في صلاتهم خاشعون} تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله، فتسكن وتخشع، فيسري الخشوع منها إلى الجوارح والملامح والحركات. ويغشى أرواحهم جلال الله في حضرته، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل، ولا تشتغل بسواه. {والذين هم عن اللغو معرضون}. لغو القول، ولغو الفعل، ولغو الاهتمام والشعور. قد أفلح المؤمنون - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر. له ما يشغله من ذكر الله، وتصور جلاله وتدبر آياته في الأنفس والآفاق. وله ما يشغله من تكاليف العقيدة: تكاليفها في تطهير القلب، وتزكية النفس وتنقية الضمير. وتكاليفها في السلوك، وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتكاليفها في الجهاد لحمايتها ونصرتها وعزتها، وهي تكاليف لا تنتهي، ولا يغفل عنها المؤمن، ولا يعفي نفسه منها، وهي مفروضة عليه فرض عين، أو فرض كفاية.
- قد أفلح المؤمنون - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
- هل حلق شعر الصدر حرام
قد أفلح المؤمنون - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
تزكية الأنفس:
وتزكية الأنفس يكون بأداء الزكاة المفروضة، فأداء الزكاة يطهر النفس من الأخلاق الرديئة ويهذبها ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]. وتزكية الأنفس يكون أيضًا بترك أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال التي تزكو النفس بتركها وتجنُّبها. حفظ الفرج من الحرام:
فالمؤمنون قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلَّها الله لهم، وما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له، فلا لوم عليه ولا حرج، لهذا قال: ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾ [المؤمنون: 6، 7]؛ أي: غير الأزواج والإماء، ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: 7]؛ أي: المعتدون. ومن تمام حفظها تجنُّب ما يدعو إلى ذلك، كالنظر واللمس ونحوهما، وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [المؤمنون: 5، 6]، قال: فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال: ﴿ مَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: 7].
فالإيمان بالله تعالى ليس مجرد كلام باللسان، بل هو قول وعمل واعتقاد، وقد ردَّ الله تعالى على قوم أسلموا، ثم ادعوا الإيمان الكامل قبل أن يحصِّلوه، فقال الله لهم: ﴿ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 14]. "فإن الصدق، دعوى كبيرة في كل شيء يُدَّعى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك دعوى الإيمان الذي هو مدار السعادة والفوز الأبدي والفلاح السرمدي، فمن ادعاه وقام بواجباته ولوازمه، فهو الصادق المؤمن حقًّا، ومن لم يكن كذلك، عُلم أنه ليس بصادق في دعواه، وليس لدعواه فائدة، فإن الإيمان في القلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى. فإثباته ونفيه من باب تعليم الله بما في القلب، وهذا سوء أدب، وظن بالله، ولهذا قال: ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾" [2]. فالسبيل إلى تحصيل مرتبة الإيمان أن يتصف العبد بصفات المؤمنين، وأن يسعى جاهدًا للتخلق بها، ومنها تلك الصفات الطيبة التي افتتح الله بها سورة المؤمنون.
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ الشَّعرَ في جسَدِ الرَّجُلِ يَنقَسِمُ إلى ثَلاثَةِ أقسامٍ:
الأوَّلُ: شَعرٌ أمَرَ الشَّرعُ بِتَرْكِهِ، ونهى عن أخْذِهِ، كَشَعرِ اللِّحيَةِ والحَاجِبَينِ. الثَّاني: شَعرٌ أمَرَ الشَّرعُ بأخْذِهِ، فَيُزالُ أو يُؤخَذُ مِنهُ بِقَدَرِ ما حَدَّدَهُ الشَّرعُ، مِثلُ شَعرِ الإبطِ والعَانَةِ، والشَّارِبِ. هل حرم الله إزالة شعر الصدر والساقين؟| جراءة نيوز. الثَّالِثُ: شَعرٌ سَكَتَ عَنهُ الشَّرعُ، فلم يأمُرْ بأخْذِهِ، ولم يَنهَ عن أخْذِهِ؛ وهذا المَسكوتُ عَنهُ دَاخِلٌ تَحتَ قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» رواه الترمذي عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. ويَدخُلُ في ذلكَ شَعرُ الأنفِ والصَّدْرِ والسَّاقَينِ والسَّاعِدَينِ. جاءَ في رَدِّ المُحتارِ: وَفِي حَلْقِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ تَرْكُ الْأَدَبِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ. وجاءَ مِثلُ هذا في البَحرِ الرَّائِقِ، والفَتاوى الهِندِيَّةِ، وفي المَوسوعَةِ الفِقهِيَّةِ الكُوَيتِيَّةِ.
هل حلق شعر الصدر حرام
السؤال:
هل يَجوز أن يَحلق الرَّجلُ شَعْر ساقَيْه وصدرِه بدون وجودِ مرضٍ جلْدي أو أيّ علَّة؛ بدعْوى أنَّه كثيف، ومن باب النظافة؟ وهل هذا تشبُّه بالنساء؟ وهل حديث الرَّسول الكريم بأن "الرجُل الأملس ملعون" صحيح؟
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ شعر الجِسْم على ثلاثة أقسام:-
قِسم أمر الشَّارع بإزالتِه؛ كشعر الإِبِط، وشعرِ العانة؛ ففي صحيح مسلم عن أنسٍ رضِي الله عنه قال: "وقَّت لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في قصِّ الشَّارب، وقلْم الظُّفر، ونتْف الإبط، وحلق العانة - ألاَّ نترُكَ ذلك أكثرَ من أربعين يومًا". وقِسم نَهى الشَّارع عن إزالتِه؛ كشعرِ الحاجبَين؛ لأنَّه من النَّمص الَّذي لعن الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم فاعلَه، وشعر اللحية ، وراجع فتوى: " اللحية ". وقِسم سكت عنه الشَّارع، فلم يأْتِ نصٌّ بالأمر بإبْقائه أو إزالتِه، وهو شعر باقي أنْحاء الجسم، وهذا القسم معفوٌّ عنْه، فإن شاء أبْقاه الشَّخص، وإن شاء أزاله؛ فيدخل في عموم قوله صلَّى الله عليْه وسلَّم: " الحلال ما أحلَّ الله في كتابِه، والحرام ما حرَّم اللهُ في كتابه، وما سكت عنْه، فهو ممَّا عفا عنه " (رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني).
بتصرّف. ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 217، جزء 3. بتصرّف. ↑ أحمد بن حجر العسقلاني (1379)، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، بيروت: دار المعرفة، صفحة 339، جزء 10. هل يجوز حلق شعر الصدر. بتصرّف. ↑ عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني، الإستحداد (حلق العانة) وبعض ما يتعلق به من أحكام ، صفحة 3. بتصرّف. ↑ "معنى الاستنجاء والاستبراء والاستجمار. وآداب قضاء الحاجة" ، ، 4-10-2013، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2021. بتصرّف.