لا شك أن مسألة تحديد الوضع الإستراتيجي للأردن مسألة معقدة للغاية نظرا لطبيعة محيطه الإقليمي المتغير ، وتلك الديناميكية المتبدلة ، تفرض عليه كذلك ديناميكية محلية مماثلة ، لا يمكن تحقيقها إلا بشكل متكامل يجمع بين عناصر الوصف والتوضيح والفهم والتفسير والتوجيه ، وأكثر ما نحتاجه أمام الوضع الراهن هي مجموعة من عناصر التحليل الإستراتيجي التي تمنحنا القدرة على ايجاد البدائل للآراء ووجهات النظر المختلفة ، حتى تستقيم مع التقييم الموضوعي لطبيعة الدولة ، ومكامن القوة التي تملكها ، لتحافظ على كيانها ، ومكانتها ودورها ضمن التوازنات الإقليمية والعالمية. ما من دولة في هذا الإقليم إلا وتواجه وضعا مماثلا للوضع الذي نواجهه ، بل إن تلك الدول التي توصف بأنها ذات قوة مالية وعسكرية تقف اليوم أمام مجموعة من التحديات نتيجة التحولات المرتبطة بالغزو الروسي لأوكرانيا ، والأزمة المتفاقمة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي ، وهي من هذه الناحية أمام خيارات تتعلق بمصيرها ، ومصيرالمنطقة بأسرها. نحن كذلك نتأثر بهذه التحولات المرتبكة ، ونبحث في عمق الدولة عن ثوابتها ونختبر متانتها لكي نتمكن من التعامل مع الاحتمالات على أساس البناء الداخلي المستقر ، ومن الطبيعي أن نقلق من الأزمة الاقتصادية الراهنة ، ومن تدني الأداء المؤسسي مقارنة مع المستوى الذي يفترض أن يكون عليه في هذه المرحلة التي ندخل فيها إلى المئوية الثانية من عمر الدولة ، مرفوقة بتطوير وتحديث المنظومة السياسية ، وعمليات الإصلاح الاقتصادي والإداري.
الجيش الأردني يحبط تهريب أسلحة وذخائر على حدوده الشمالية
هذا مجرد اقتباس من وجهة نظر شخصية سياسية ودبلوماسية مرموقة ، تكمن أهميتها في أنه ينتمي لبلد يلتقي مع الأردن وينفصل عنه في سياق تاريخي ، أوجد تركيا وريثة للخلافة العثمانية ، وللعلمانية الأتوتوركية ، وأوجد الأردن وريثا للثورة العربية الكبرى ، وللشرعية الهاشمية الممتدة للنبي العربي الهاشمي محمد صلوات الله وسلامه عليه ، فأيهما اليوم أهم من الآخر في طبيعة التوازنات ، خاصة في الجزء العربي من منطقة الشرق الأوسط ؟. لا يمكن لنا الاستمرار أبعد مما وصلنا إليه من سوء الفهم والتعبير عن القيمة الإستراتيجية للأردن ومصالحه العليا ، بنظامه وشعبه ومؤسساته المدنية والعسكرية ، وتاريخيه وموقعه الجيوسياسي ، ونهوضه الحضاري ، والتمادي في رسم صورته بالطريقة التي يشتهي أعداؤه وخصومه أن يكون عليها لا سمح الله ، فقد حان الوقت لوضع حد لكثير من الهراء ، والكلام غير المسؤول ، والنظرة القاصرة عن الفهم والتحليل والتفسير ، والاستهزاء بقيمة الدولة ومكانتها ، وبدماء الذي ذادوا عن حياضحها ، وعرق الذين بنوا كل صرح فيها ، ونضال شبابها في سبيل بناء مستقبلهم وتحقيق طموحاتهم. لم يعد الأمر يتعلق برسم الصورة جميلة أو قبيحة ، وإنما بالموضوعية لكي تكون جميلة وحقيقية ، لا تحتمل التشويه أو التزوير أو التعتيم ، ذلك أن الثقافة الوطنية التي تبجل الأردن الوطن النبيل ، وتعظم الانتماء لترابه ، هو العنصرالأكثر أهمية في تشكيل عمقه الإستراتيجي العصي على الاختراق ، بل والقادر على كسب جميع معاركه ، والانتصار على التحديات مهما بلغ حجمها ، وأيا كان مصدرها وموعدها.
واستمع الملك إلى إيجاز قدمه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي حول الاجتماع الطارئ للجنة الوزارية في عمان، الذي خصص لبحث سبل مواجهة التصعيد الإسرائيلي في المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، وبلورة تحرك مشترك لوقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية في المقدسات، ووقف العنف، واستعادة التهدئة الشاملة. من جانبهم، أعرب أعضاء اللجنة وممثلوهم عن تقديرهم للدور المحوري للأردن، بقيادة الملك عبد الله الثاني، في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بموجب الوصاية الهاشمية عليها. وتضم اللجنة، التي يرأسها الأردن، الجمهورية التونسية بصفتها رئيس القمة العربية الحالية، والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، والمملكة العربية السعودية، ودولة فلسطين، ودولة قطر، وجمهورية مصر العربية، والمملكة المغربية. كما شارك في الاجتماع، الذي دعا إليه الأردن، بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، دولة الإمارات العربية المتحدة بصفتها الدولة العربية العضو في مجلس الأمن.