صور متناثرة لوجوه ولمحات من أجساد منحوتات رومانية وإغريقية. منحوتات لأجساد رجولية على الأغلب بشفاه ممتلئة، وانحناءات مثالية، نوتات بيانو تعزف بحزم ورقة في الوقت نفسه. هكذا يختار الإيطالي «لوكا جوادينينو» لفيلمه الأخير أن يبدأ. فيلم نادني بأسمك - Call Me By Your Name عمل حالم بنكهة الحب الأول - منتديات درر العراق. نرى الصور المتناثرة أثناء مرور أسماء فريق العمل، ولكن ما دلالة ذلك على فيلم يعنى بقصة حب في صيف ثمانيني في إحدى قرى إيطاليا المشمسة؟ يحكي فيلم «نادني باسمك – Call Me By Your Name » قصة الفتى المراهق «إليو» المهتم بالقراءة والموسيقى، بل إنه يعتبر طفلًا متميزًا، حيث يؤلف المقطوعات ويعزف البيانو. «إليو» وعائلته المتكونة من أب مثقف، أستاذ في علوم الآثار، وأم حنونة متحررة، يمضون الصيف في قرية إيطالية صغيرة، محاطة بالطبيعة من كل جانب، عندما يدعو الأب أحد تلامذته «أوليفر» ليكمل بعض الدراسات والأبحاث معه، تتغير حياة «إليو» للأبد. نرى هنا تصويرًا لعلاقة حب مثلية، لكن دون معاناة حقيقية من رفض الأهل أو المجتمع الصارم، على عكس الفيلم الحائز على الأوسكار العام الماضي «moonlight». يعنى «جوادينينو» بشكل أساسي بجمال كل شيء. جمال نقي وحقيقي يبدأ من الطبيعة في القرية المنقوعة في الشمس، والحقول الشاسعة المشبعة بالأخضر والذهبي، وينتهي بأبطاله أنفسهم؛ «أوليفر، وإليو».
فيلم نادني بأسمك - Call Me By Your Name عمل حالم بنكهة الحب الأول - منتديات درر العراق
في مكان ريفيّ ما شمال إيطاليا، عام 1983، يصل أوليفر إلى بيت فسيح، وهو مساعد البروفيسور في الآثار، صاحب البيت. يمضي 6 أسابيع، يقيم خلالها علاقة مع ابن البروفيسور، إنّما لا تنشأ العلاقة إلا متأخراً، في النصف الثاني من الفيلم، لتأتي تلقائية، فيكون الفيلم في نصفه الأوّل حكاية قادمٍ غريب، وغريب الأطوار، إلى بيت عائلة سعيدة، حيث تتعرّف الشخصيات على بعضها وتعيش أحداثاً خفيفة ويومية تمرّر أوقاتهم والنصف الأوّل من الفيلم، وذلك إلى أن يبادر إيليو في أحد مشاويره في الطبيعة مع أوليفر، إلى تقبيله. لم يقدّم الفيلم نفسه إذن للمُشاهد كفيلم يصوّر علاقة مثليّة، بل كفيلم يقدّم يوميات الزائر في البيت الريفي، وعلاقاته مع مستضيفيه، لتنشأ، كأنّه من حيث لا ندري، علاقة حب بين الرجلين، فأتت العلاقة في سياق حكاية دخل المُشاهد إليها عبر تصوير جمالي ملفت، في مكان بديع، بيت بديكورات ريفية «ڤانتاج»، ومليء بالكتب. قُدّمت إذن «القضية الحقوقية» (والمثلية لا تزال قضية حقوقية كيفما قُدّمَت) ضمن شغل سردي وسينماتوغرافي بديع، فلم تأت أخيراً «كقضية» بل كاستتباع لذلك الشغل البديع، وهذا ما لا نراه في معظم الأفلام «النضالية» التي تتخذ مشروعيتها من موضوعها وموقفها الذي تتناوله بخصوصه، وليس من الجودة الفنية في تناول هذه المواضيع وطرح هذه القضايا، وهذه بالمناسبة مسألة أساسية (أو همّ أساسي) تحضر كلّما تحدّثنا عن أفلام تطرح قضايا تعيشها بلداننا العربية، حيث تحملُ القضيةُ الفيلمَ على كتفيها، وليس العكس، وهو ما يبقي الفيلم سطحياً وفجاً، ولا تعوّض القضيةُ شيئاً من هذا السوء، بل يتمدّد هذا الأخير إلى القضية ذاتها.
لا يمكن إغفال بالطبع الأداء الممتع لكل من أميرة كاسار ومايكل ستولبيرج كأم وأب أيليو اللّذين يتمتعان بفلسفة خاصة في تربية صغيرهما، جعلتني أراهما الأسرة المثالية التي يحلم بها أي مراهق، شريكان متحابان مثقفان، يتقبلان ابنهما كشخص متكامل دون أن يؤثر أي من اختياراته الشخصية على هذه المحبة، علماه كيف يتقبل الحزن عندما يأتي كما يستقبل المحبة عندما تغمره. فيلم call me by your name واحد من أفضل أفلام 2017 بلا جدال، وأكثرها رقةً ورومانسية. لا تحاول أن تراه وتحكم عليه من منطق أخلاقي صارم، بل ضعه في مكانته كفيلم يستحق المشاهدة والتحليل وعمل فني راقي.