تقريب آخر للاستدلال بالآية:
وهناك تقريب آخر لمدلول الآية المباركة نقله العلاّمة الطباطبائي في الميزان عن بعض أساتذته، حاصله أنَّ الفروض المتصوَّرة لما يمكن أن تكون عليه ذرية إبراهيم(ع) بل ولمطلق الناس من حيث الاتِّصاف بالظلم وعدمه، هذه الفروض أربعة ولا يمكن أنْ يخرج صنفٌ من الناس عن واحدٍ من هذه الفروض لأنَّ القسمة عقلية حاصرة:
الصنف الأوّل: مَن كان ظالماً في أوّل عمره وبقي على ظلمه إلى آخر عمره. الصنف الثاني: مَن كان ظالماً في أوّل عمره ثمَّ انتهى عن الظلم. العلاقة بين "لا ينال عهدي الظالمين" واليهود - تفسير الشعراوي لسورة البقرة - 52 - YouTube. الصنف الثالث: مَن كان غير ظالم في أوّل عمره ثمَّ أصبح ظالماً. الصنف الرابع: مَن لم يقارف الظلم في تمام عمره. هذه هي الأصناف الأربعة المتصوَّرة، وليس ثمة من صنفٍ إلا وهو داخل تحت واحدٍ من هذه الأصناف. وحينئذٍ نقول: إنَّ من غير المحتمل أنْ يسأل إبراهيم (ع) عن أهليّة الصنف الأوّل والثالث للإمامة، إذ من الواضح أنَّ الإمامة لا تكون لظالم والمفترض أنَّ الصنف الأوّل ظلَّ متلبِّساً بالظلم من أوّل عمره إلى آخره، والصنف الثالث متلبِّس بالظلم حين جعل الإمامة وإن لم يكن في أوّل عمرهِ ظالماً. ومن هنا يتعين مورد السؤال في الصنف الأوّل والرابع، وقد جاء الجواب أنَّ الصنف الأوّل يُعدُّ من الظالمين فلا يتأهَّل للإمامة بمعنى أنَّ الذي كان ظالماً في أوّل عمره فهو مِن الظالمين وإنْ انتهى عن الظلم في بقيّة عمره، ولأنَّه من الظالمين فهو لا ينال عهد الله عزَّ وجل ولا يتأهَّل للإمامة الإلهيَّة.
تفسير: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن)
فما معنى قوله { سينالهم} هنا ؟
معناه: سيصيبهم. ويكون المعنى: [ إن الذين عبدوا العجل سيصيبهم غضب…. ]. وكذلك يكون معنى الآية الأولى: [ لا يصيب عهدُ الله الظالمين]. رابعًا:
الآية فيها فعل وفاعل ومفعول. ومن المعلوم أن الله عز وجل هو الذي يعطي هذا العهد لمن يشاء، ويمنعه عمن يشاء. تفسير: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن). فـ"الظالمين" لن يأخذوا العهد من تلقاء أنفسهم، بل الله هو الذي سيعطيهم أو يمنعهم من هذا العهد. لأنه سبحانه هو الذي قال لإبراهيم: { إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا}. فالجَعْلُ والعَطَاء منه سبحانه وتعالى بحسب سياق الآية، فلا يجوز عقلًا أنْ يكون " الظالمين " فاعلًا، وإنما مفعولٌ منصوبٌ وعلامةُ نَصْبِهِ الياء، لأنه جمعُ مُذَكَّرٍ سالم. وكما قلنا سابقًا إن العرب الذين هم أهل اللغة العربية لم يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن هناك خطأً في هذه الآية الكريمة، فتخيل معي نصراني جاهلًا في اللغة يريد اكتشاف خطأ في كتاب عربي، في الوقت الذي أجمع فيه أهل اللغة العربية أن هذا الكتاب ليس فيه خطأ لغوي واحد!! لكن أعتقد أن النصراني – الذي يزعم وجود خطأ في القرآن الكريم – معذور، لأنه يؤمن بكتاب يقول عنه: [ أما الرجل ففارغ عديم الفهم، وكجحش الفراء يولد الإنسان].
الموقف الصعب: لا ينال عهدي الظالمين - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
ومِن هنا يكون سؤال إبراهيم عن أنَّ الله هل سيجعل الإمامة في ذريته لو كانوا مؤمنين حين جعل الإمامة سواءً كانوا مؤمنين قبل ذلك أو لم يكونوا كذلك. بمعنى أنَّ السؤال وقع عن صنفين من ذريته الصنف الأوّل هو من كانوا مشركين وظالمين وأصبحوا مؤمنين والصنف الثاني هو من كانوا مؤمنين واستمرُّوا في إيمانهم، فجاء الجواب إنَّ الإمامة لا تكون للظالمين، وهذا معناه أنَّه تعالى لا يجعل الإمامة للصنف الأوّل، إذ هو المسئول عنه وعن الصنف الثاني، وأمَّا من كان مشركاً وبقيَ على شركه أو كان مؤمناً وأصبح مشركاً فهو ليس مورداً للسؤال قطعاً لوضوح أنَّ الإمامة والتي هي وسيلة الهداية للتوحيد والعدل لا تكون لمشركٍ أو ظالم، فلا معنى للسؤال عن ذلك. فالآية إذن تنفي جعل الإمامة لمن كان في أول أمره ظالماً مشركاً.
العلاقة بين &Quot;لا ينال عهدي الظالمين&Quot; واليهود - تفسير الشعراوي لسورة البقرة - 52 - Youtube
المقدمة الثالثة: إنَّ القرآن الكريم قد وصف الشرك بالظلم العظيم قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (2). وهذا معناه أنَّ المشرك من الظالمين. وإذا كان من الظالمين فلا يكون مؤهَّلاً للإمامة كما هو مقتضى الآية المباركة. وهنا يُثار إشكال وهو أنَّ ظاهر الآية المباركة هو أنَّ الذي لا يتأهَّل للإمامة إنَّما هو المتلبِّس فعلاً بالظلم والشرك والمفترض أنَّ الخلفاء الثلاثة حينَ تصدّوا للإمامة لم يكونوا ظالمين حيث لم يكونوا مشركين.
سفر أيوب 11 – 12
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه