وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
تفسير بن كثير يقول تعالى مخبراً عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين} كقوله جلَّ وعلا: { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}. وقال تعالى: { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون} ؟ ثم قال تعالى: { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين} وهو يوم القيامة يفصل اللّه تعالى فيه بين الخلائق، فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين، وقوله عزَّ وجلَّ { ميقاتهم أجمعين} أي يجمعهم كلهم أولهم وآخرهم { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً} أي لا ينفع قريب قريباً كقوله سبحانه وتعالى: { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسألون} ، وكقوله جلتَّ عظمته: { ولا يسأل حميم حميماً. يبصرونهم} ، أي لا يسأل أخ أخاً له عن حاله وهو يراه عياناً، وقوله جلَّ وعلا: { ولا هم ينصرون} ، أي لا ينصر القريب قريبه ولا يأتيه نصر من خارج، ثم قال: { إلا من رحم اللّه} أي لا ينفع يومئذ إلا رحمة اللّه عزَّ وجلَّ بخلقه { إنه هو العزيز الرحيم} أي عزيز ذو رحمة واسعة.
ما الحكمة من خَلْق السماء والأرض وما بينهما؟ (الشعراوي يجيب)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) قوله تعالى: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين أي عبثا وباطلا ؛ بل للتنبيه على أن لها خالقا قادرا يجب امتثال أمره ، وأنه يجازي المسيء والمحسن ؛ أي ما خلقنا السماء والأرض ليظلم بعض الناس بعضا ، ويكفر بعضهم ، ويخالف بعضهم ما أمر به ثم يموتوا ولا يجازوا ، ولا يؤمروا في الدنيا بحسن ولا ينهوا عن قبيح. وهذا اللعب المنفي عن الحكيم ضده الحكمة.
وهي دعوى دون دليل؟! وقد خلق الله هذا الخَلْق من أجلك، وتركك تربَع فيه، وخلقه مقهوراً مُسيَّراً، فالشمس ما اعترضتْ يوماً على الشروق، والقمر والنجوم والمطر والهواء والأرض والنبات كلها تعطي المؤمن والكافر والطائع والعاصي؛ لأنها تعملبالتسخير، لا بالإرادة والاختيار. أما الإنسان هو المخلوق صاحب الاختيار في أن يفعل أو لا يفعل. ولو نظرتَ إلى هذا الكون لأمكنك أنْ تُقسِّمه إلى قسمين: قسم لا دَخْلَ لك فيه أبداً، وهذا تراه منسجماً في نظامه واستقامته وانضباطه، وقسم تتدخل فيه، وهذا الذي يحدث فيه الخَلَل والفساد. قال الحق سبحانه وتعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ * وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ * لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 38-40]. فالكَوْن من حولك يسير بأمر خالقه، منضبط لا يتخلف منه شيء، فلو أخذتَ مثلاً سنة كاملة 365 يوماً، ثم حاولتَ أنْ تعيدها في عام آخر لوجدتَ أن الشمس طلعتْ في اليوم الأول من نفس المكان، وفي اليوم الثاني من نفس مكان اليوم الثاني، وهكذا بدقة متناهية، سبحان خالقها.