الخامسة: قوله سبحانه: ( فتاب عليكم) يحتمل معنيين: أحدهما: قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم، والآخر: التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة؛ كقوله تعالى: ( علم أن لن تحصوه فتاب عليكم) (المزمل:20)، يعني: خفف عنكم. وكذلك قوله عز وجل: ( وعفا عنكم) يحتمل العفو من الذنب، ويحتمل التوسعة والتسهيل؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله) رواه الدار قطني ، يعني: تسهيله وتوسعته. السادسة: قوله سبحانه: ( فالآن باشروهن) كناية عن الجماع، أي: قد أحل لكم ما حرم عليكم، وسمي الوقاع مباشرة؛ لتلاصق البشرتين فيه، وصيغة (الأمر) هنا للإباحة، قال ابن العربي: "وهذا يدل على أن سبب الآية جماع عمر رضي الله عنه، لا جوع قيس ؛ لأنه لو كان السبب جوع قيس لقال: فالآن كلوا؛ ابتدأ به؛ لأنه المهم الذي نزلت الآية لأجله". احل لكم ليلة الصيام الرفث تفسير الميزان. السابعة: قوله سبحانه: ( وابتغوا ما كتب الله لكم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: وابتغوا الولد؛ يدل عليه أنه عقيب قوله: ( فالآن باشروهن)، وروي عنه أيضاً قوله: ما كتب الله لنا هو القرآن. قال الزجاج: أي: ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه، وأمرتم به. وقال قتادة: اطلبوا الرخصة والتوسعة. قال ابن عطية: "وهو قول حسن".
التفريغ النصي - أحكام الصيام [2] - للشيخ مصطفى العدوي
الثامنة: روى الشيخان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: لما نزلت: ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) عَمَدتُ إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال: ( إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار). وروى الشيخان أيضاً عن سهل بن سعد، قال: نزلت ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل { من الفجر} وكان رجال إذا أرادوا الصوم، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما؛ فأنزل الله بعد ( من الفجر)، فعلموا أنه إنما يعني بذلك بياض النهار. وروى البخاري عن عدي بن حاتم ، قال: قلت: يا رسول الله! ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: ( إنك لعريض القفا) إن أبصرت الخيطين، ثم قال: ( لا، بل هو سواد الليل، وبياض النهار). التفريغ النصي - أحكام الصيام [2] - للشيخ مصطفى العدوي. وسمي (الفجر) خيطاً؛ لأن ما يبدو من البياض يُرَى ممتداً كالخيط. و(الخيط) في كلامهم عبارة عن اللون، و( الفجر) مصدر فَجَرْتُ الماء أفجره فجراً: إذا جرى وانبعث، وأصله الشق؛ فلذلك قيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها: فجراً؛ لانبعاث ضوئه، وهو أول بياض النهار الظاهر المستطير في الأفق المنتشر، تسمية العرب الخيط الأبيض.
[٧]
قوله -تعالى-: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [١] المعنى المراد باللباس في هذه الآية هو الستر، فالرجل وزوجته كل منهما ستر للآخر، وفي ذلك بيان للحاجة الحسيّة والنفسيّة من الزوجين كل منهما للآخر. [٨]
قوله -تعالى-: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ) [١] أي تخونون أنفسكم وتظلمونها بمجامعة الزوجات بعد وقت العشاء، فتاب الله -تعالى- وتجاوز عن عباده بأن أحلّ لهم ذلك تخفيفًا، [٥] فالتوبة تكون على ثلاث مراحل؛ الأولى هي أمر الله -تعالى- لعباده بالتوبة، والثانية توبة العبد، والثالثة قبول الله تعالى التوبة من عبده. [٧] أما قوله تعالى: (وَعَفَا عَنكُمْ) ؛ [١] فهي بمعنى محا ذنوبكم. [٥]
قوله -تعالى-: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ) [١] باشروهنّ هنا تعني جامعوهنّ؛ فقد سمي الجماع بين الزوجين بالمباشرة لالتصاق بشرتيهما، وجاءت كلمة (ابتغوا) بمعنى اطلبوا، [٥] وقوله: (مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) أي من إنجاب الأولاد وحفظ النوع الإنساني وإعفاف الزوجين كل منهما الآخر. [٩]
وقد استدلّ بعض العلماء من ذلك أن سبب نزول الآية هو جماع عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- لا إغماء قيس من الجوع، ولولا ذلك لكان الابتداء بذكر حلّ الطعام والشراب ليلة رمضان لا بحلّ مباشرة النساء.
نستهل مقالنا بذكر النصوص التي أطلق فيها د. علي الوردي أحكامه على العلاقة بين عمر بن الخطاب والشعر، والواردة في كتابه (أسطورة الأدب الرفيع). (1) إذ يقول الوردي في ص (117): "والمعروف عن عمر بن الخطاب أنه كان يقسو على الشعراء ويمنعهم من التمادي في نظم الشعر على ديدنهم القديم". ويستشهد الوردي على صحة حكمه هذا بحكاية عمر والشاعر حسان بن ثابت التي رواها عقب إطلاق الحكم، إذ يقول: "قيل إنه [أي عمر] مر بالمسجد ذات مرة فوجد فيه حسانا في نفر من المسلمين وهو ينشدهم شعرا. فأخذ عمر بإذن حسان وقال له يعنفه: "أرغاء كرغاء البعير؟". فقال له حسان: "إليك عني يا عمر، فوالله لقد كنت أنشد في هذا المكان من هو خير منك فيرضى". فتركه عمر ومضى، كأنه لم يحب أن يجادل حسانا في الموضوع. ولو شاء عمر لقال له: "ويحك يا حسان، لقد تبدل الزمان! "". شرح قصيدة عمر ورسول کسری | سواح هوست. ثم ينقل الوردي عن طه حسين رأيه في هذه الرواية؛ فيقول في الصفحة نفسها من الكتاب المتقدم ذكره: "يقول الدكتور طه حسين في هذه الحادثة: إن حسانا كان ينشد الشعر في ذم قريش كما كان دأبه في أيام الرسول. ولما كان عمر قرشيا فقد كرهت عصبيته القبلية أن ينشد حسان في ذمها شعرا". ويعقب الوردي على رأي عميد الأدب في الموضع ذاته فيقول: "والذي أراه أن طه حسين فاته الصواب في هذا القول.
شعر عمر بن الخطاب ورسول كسرى
كان لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، مع الشعراء، عدة حكايات، وكان دائما يتصرف تصرفَ القاضي النزيه، الذي كلُّ همه هو إقامة العدل، وحماية الحقوق. ونقف، بإيجاز، عند اثنتين من هذه الحكايات، تجسدان النازلة القضائية بكل عناصرها، في أوضح صورة: المدّعي، والمدّعَى عليه، والقاضي، والشهود من أهل الخبرة والاختصاص، وطريقة أو مسطرة التحري والتحقق، قبل إصدار الحكم النهائي. والحكاية الأولى كانت مع الحطيئة(جرول بن أوس)، والثانية مع النجاشيّ الحارثي(قيس بن عمرو). قصة الحطيئة مع الفاروق، رضي الله عنه. شعر عمر بن الخطاب ورسول كسرى. وفيما يخص الحكاية الأولى، فقد شكا الزّبرقان بن بدر الحطيئةَ1 إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وادّعى عليه أنه قد هجاه، وذكر من ذلك قول الحطيئة: دع المكارم لا ترحل لبغيتهـا ** واقعدْ فإنك أنت الطاعم الكاسي2 فحاول سيدنا عمر، رضي الله عنه، أن يهوّن عليه وقع كلام الحطيئة، وأن يُفهمه أنه إنما أراد معاتبته لا هجاءه3، لكن الزبرقان لم يقتنع، وبقي مصرا على دعواه وشكواه. فأرسل عمر، رضي الله عنه، إلى حسان بن ثابت يطلب رأيه في قول الحطيئة، فقال حسان: "لم يهجه، ولكن سلح[تغوّط] عليه4. فحبسه عمر، وقال: يا خبيث، لأشغلنك عن أعراض المسلمين.
وفيما يلي النقاط الجوهرية في الوصول الى الحقيقة في هذا الموضوع:
أولاً: أن عدد الذين يتقنون الكتابة والقراءة في كافة الجزيرة العربية لم يتجاوز 17 فرداً أيام الرسول وليس ممكناً أن يزيد العدد بحيث يستوعب العدد الكبير الذي تحتاجه الدواوين، ومن الجدير بالذكر أن الرسول قد استعان في كتابة القرآن على عدد منهم ولم يكن شرطاً أن يكونوا مسلمين أو مخلصين له، وقد أهدر الرسول دم واحد من كتاب الوحي هو عبدالله بن أبي سرح، كان ضمن أربعة فقط عند فتح مكة، رغم أن مكة كلها كانت تحاربه على ما هو معروف، مما يدلل على فداحة جرمه رغم أنه كاتب وحي. ثانياً: أن الدواوين في الجزيرة العربية والعراق كانت مكتوبة باللغة الفارسية، أما دواوين بلاد الشام فقد كانت باللغة البيزنطية وفي مصر باللغة القبطية، وقد تم تحويلها الى اللغة العربية بعد فترة طويلة وربما بعد إدخال التنقيط على اللغة حيث تم تمييز الأحرف عن بعضها بحيث أمكن فهم النص من الكتابة وليس من المعنى. (مثل بسيط فإن حرف ب، ت، ث بدون تنقيط كانت متشابهة ولهذا فانه يمكن قراءة كلمة باب على عدة نواحٍ مثل تاب وثاب وبات الخ). أهم شعراء العصر الأموي - موضوع. ثالثاً: أن كلمة الديوان جاءت من كلمة ديوانه وهي كلمة فارسية تعني المجانين وقد أطلقها كسرى على الموظفين الذين وجدهم مشغولين بالحسابات.