2- يعصم الإنسان مِن الضَّلال والخطأ. قال ابن عثيمين: (الأناة: التَّأنِّي في الأمور وعدم التَّسرُّع، وما أكثر ما يهلك الإنسان ويزلُّ بسبب التَّعجُّل في الأمور، وسواء في نقل الأخبار، أو في الحكم على ما سمع، أو في غير ذلك. تعرف الاناة انها التثبت مع العجلة الدوارة. فمِن النَّاس -مثلًا- مَن يتخطَّف الأخبار بمجرَّد ما يسمع الخبر يحدِّث به، ينقله،.. ومِن النَّاس مَن يتسرَّع في الحكم، سمع عن شخص شيئًا مِن الأشياء، ويتأكَّد أنَّه قاله، أو أنَّه فعله ثمَّ يتسرَّع في الحكم عليه، أنَّه أخطأ أو ضلَّ أو ما أشبه ذلك، وهذا غلط، التَّأنِّي في الأمور كلُّه خيرٌ) [شرح رياض الصالحين]. 3- التَّأنِّي كلُّه خيرٌ ومحمود العاقبة في الدُّنْيا والآخرة. 4 - قال ابن القيِّم: (إذا انحرفت عن خُلُق الأناة والرِّفق انحرفت: إمَّا إلى عَجَلة وطيش وعنف، وإمَّا إلى تفريط وإضاعة، والرِّفق والأناة بينهما) [مدارج السالكين]. من صور التَّأنِّي:
1- عند الذهاب إلى الصَّلاة: فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ((بينما نحن نصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة الرِّجال، فلمَّا صلَّى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصَّلاة ، قال: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم بالسَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) [رواه البخارى].
تعرف الاناة انها التثبت مع العجلة الدوارة
نماذج مِن تأنِّي الأنبياء والمرسلين عليهم السَّلام:
نبيُّ الله يوسف عليه السَّلام: تأنَّى نبيُّ الله يوسف -عليه الصَّلاة والسَّلام- مِن الخروج مِن السِّجن حتى يتحقَّق الملك ورعيَّته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، وامتنع عن المبادرة إلى الخروج ولم يستعجل في ذلك. قال تعالى: " وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ " [يوسف: 50]. قال ابن عطيَّة: (هذا الفعل مِن يوسف - عليه السَّلام - أناةً وصبرًا وطلبًا لبراءة السَّاحة) [لامحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية].
قال الإمام علي (عليه السلام): (العجل يوجب العثار) (1). وقال (عليه السلام) أيضاً: (الزلل من العجل) (2). وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (الأناة من الله والعجلة من الشيطان) (3). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (مع التثبت تكون السلامة، ومع العجلة تكون الندامة) (4). من الصفات التي تكاد تكون موجودة أو مغروزة في كل إنسان، ومورد إبتلاء بها من قبل جميع الناس: العجلة، او التسرع، فالإنسان كما يعبر عنه القرآن الكريم بأنه خلق من عجل، أو أنه كان عجولا. ومع أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ فطر الإنسان على هذا النحو، فقد أعطاه ومنحه إمكانية التأني والتؤدة والتأمل والتعرف قبل ممارسة الأعمال قصداً أو موقفاً، أو فكراً أو قولا، أو فعلا لكي يحرز الصواب والحقيقة، ويبتعد عن الزلل والوهم. ومن الأعمال أو الممارسات التي تستلزم من المرء التبين والأناة: إتخاذ المواقف من الناس، والمواقف منهم هي تلك الأفعال أو ـ إن صح التعبير – ردود الأفعال التي يتخذها من الأعمال والممارسات التي تصدر منهم وتكون ذات إرتباط به بشكل مباشر أو غير مباشر. تعرف الاناه بانها التثبت مع العجله - مناهج الخليج. والمواقف من الناس يمكن القول أنها على نوعين: إيجابية، وسلبية، فالأولى هي المواقف التي توافق الناس على ما يصدر منهم من أفعال، والثانية هي التي لا توافقهم على ما يصدر منهم، وكما على المرء أن يكون متأنياً في إتخاذ المواقف الإيجابية من الناس، عليه أيضاً أن يكون متأنياً في إتخاذ المواقف السلبية منهم، خصوصاً وأن هذه الأخيرة قد تؤثم متخذها، وقد تجلب المضرة للطرف الآخر، والأمر الذي يتطلب من المرء التبين والتأمل والتعرف والإستقصاء قبل إتخاذها.
فما هذا إلا مكابرة، ولما قال إبراهيم عليه السلام للنمرود: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}، قال الله عز وجل: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: من الآية 258]
أيها المؤمنون
وحظ المؤمن من اسم الله العزيز في حياته: أن العبد إذا علم أن الله عزيز لا يُغلب ولا يقهر يتولد في نفسه شجاعة وثقة كبيرة بالله سبحانه وتعالى؛ فهو عبد للعزيز سبحانه ، والذي لا يغلب ولا يقهر. لذا تجد بعض الصالحين حين يتعاملون مع الأمراء والسلاطين يتعاملون بثقة وصمود وشموخ ولا يخشون في الله لومهم أو بطشهم.. لسان حالهم يقول: (قد لذنا بالعزيز القهار فمن علينا ؟! معنى اسم الله العزيز. ) ، وانظر معي إلى هذه المحاورة التي تثبت عزة المؤمن ، وثقته بربه ، وقد كانت بين الحجاج وسعيد بن جبير محاورة: (قال الحجاج: ويلَكَ يا سعيد. قال: لا ويلَ لمن زُحْزحَ عن النار وأدخل الجنة. قال الحجاج: اختر يا سعيد أَيَّ قتلة أقتُلُك. قال: اختر لنفسك يا حجاج فو الله لا تقتُلني قتلة إلا قتلك الله بها يومَ القيامة. قال: أفتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان العفو، فمن الله، وأما أنت، فلا براءة لك ولا عُذر. قال الحجاج: اذهَبوا به فاقتُلوه، فلما خرج ضَحِكَ، فأخبر الحجاج بذلك فَرَدَّهُ، وقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جراءتك على الله وحِلم الله عليك، فَأَمَرَ بالنِّطع فبُسطَ، وقاَل: اقتُلوه.
اسم الله العزيز نبيل العوضي
فالعزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله، قال تعالى: { قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(آل عمران:26)، فمَنْ طلب العزة فليطلبها من رب العزة، قال الله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا}(فاطر:10). ومَنْ أحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليحافظ على طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعا. وقد ذمَّ الله أقوامًا طلبوا العزة من غيره سبحانه، قال الله تعالى: { أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}(النساء:139). قال ابن كثير: "أخبر تعالى بأن العزة كلها لله وحده لا شريك له، ولِمَن جعلها له. شرح اسم الله ( العزيز ). كما قال في الآية الأخرى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}(فاطر:10)، وقال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الْمُنَافِقُون:8).. والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد"..
عزة القهر، والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته، لا يتحرك منها متحرك إلا بحوله وقوته". وقال في قصيدته "النونية":
وهو العزيز فلن يُرام جنابه أنى يُرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب لمْ يغلبه شيء، هذه صفتان
وهو العزيز، بقوة، هي وصفه فالعز حينئذ: ثلاث معان
وهي التي كملت له سبحانه مِنْ كل وجه عادم النقصان
قال الشيخ محمد خليل هراس في " شرح القصيدة النونية": "وأما العزيز: فهو الموصوف بالعزة، وقد ذكر المؤلف لها ثلاث معان: العزة: بمعنى الامتناع على من يرومه من أعدائه، فلن يصل إليه كيدهم، ولن يبلغ أحد منهم ضره وأذاه، كما في الحديث القدسي: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) رواه مسلم. اسم الله العزيز نبيل العوضي. وإلى هذا المعنى أشار بقوله: " فلن يرام جنابه " أي لن يقصد أحد حماه الأقدس فيقهره أو يغلب. والثاني: العزة: بمعنى القهر والغلبة، وهي من: عَزَّ يعُز، بضم العين في المضارع ، يقال: عزه إذا غلبه. فهو سبحانه القاهر لأعدائه الغالب لهم، ولكنهم لا يقهرونه ولا يغلبونه.. وهذا المعنى هو أكثر معاني العزة استعمالا. والثالث: العزة: بمعنى القوة والصلابة، مِنْ عَزَّ يعَز بفتحها، ومنه قولهم: أرض عَزَاز، للصلبة الشديدة.