ونحوه ما تقدم قوله تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} (الحجرات:9)، فقال: { اقتتلوا}، ولم يقل: اقتتلتا، مع أن الكلام عن طائفتين. ومن هذا القبيل أيضاً، قوله سبحانه: { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} (ص:21)، فقال: { تسوروا}، ولم يقل: (تسورا) على التثنية، كما قال بعدُ: { خصمان بغى بعضنا على بعض} (ص:22)؛ وعليه يكون ضمير الجمع { تسوروا} مراداً به المثنى، والمعنى: إذ تسورا المحراب. وعلى وفق ما تقدم من أمثلة، يمكن فهم ما ورد في القرآن الكريم من صيغ التثنية مخالفاً لأصل الوضع اللغوي.
صيغة المثنى في القرآن - موقع مقالات إسلام ويب
و أبو حيان -وهو من علماء العربية- يقول: "أما عود الضمائر مثناة ومجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى، والمجموع فمسموع معروف في لسان العرب". أما ابن عاشور فيقول: "وأكثر استعمال العرب وأفصحه في ذلك أن يعبروا بلفظ الجمع مضافاً إلى اسم المثنى؛ لأن صيغة الجمع قد تطلق على الاثنين في الكلام فهما يتعاوران. ويقل أن يؤتى بلفظ المفرد مضافاً إلى الاسم المثنى". ورقة عمل لغة عربية المفرد المثنى والجمع الصف الثالث | مدرستي الكويتية. وقد ذكر ابن عاشور شرط العدول عن صيغة التثنية، وعلل السبب الذي لأجله يُعدل به عن هذه الصيغة، فقال: "والعرب يعدلون عن صيغة التثنية إلى صيغة الجمع، إذا كانت هناك قرينة؛ لأن في صيغة التثنية ثقلاً لندرة استعمالها". صيغة التثنية في القرآن الكريم لو تتبعنا مجيء صيغة التثنية في القرآن الكريم، لوجدناها وردت بما ظاهره عدم التطابق بين المسند والمسند إليه، لكن هذا لا يسوغ القول: إن صيغة التثنية في القرآن الكريم جاءت على خلاف الأصل؛ لأنه قد تقدم أن هذا الأسلوب معهود في كلام العرب، وبالتالي ما جاء من الآيات التي ظاهرها عدمُ التطابق بين المسند والمسند إليه يحتمل التأويل، وهو يجري وفق سنن العرب في الكلام، ويكون الخروج عن الأصل لمعنى يراد، كما نوضح ذلك تالياً.
ورقة عمل لغة عربية المفرد المثنى والجمع الصف الثالث | مدرستي الكويتية
ومن هذا الباب قوله سبحانه: { اذهب أنت وأخوك بآياتي} (طه:42)، قالوا: المراد بـ (الآيات) هنا: إلقاء العصا، ونزع اليد، بدليل قوله تعالى: { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} (الشعراء:107-108)، وعلى هذا تكون الآية هنا من باب إطلاق الجمع وإرادة المثنى. ونظير هذا قوله تعالى: { فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} (الشعراء:15)، فقال: { معكم}، مع أن المخاطب اثنان، قيل: هذا من وضع الجمع موضع المثنى، أي: معكما. صيغة المثنى في القرآن - موقع مقالات إسلام ويب. والخطاب ل موسى و هارون فحسب. وعلى أنه أريد بالجمع التثنية، حمله سيبويه رحمه الله، وكأنهما لشرفهما عند الله، عاملهما في الخطاب معاملة الجمع؛ إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته. ونظير هذا قوله سبحانه: { ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار} (طه:130)، فقال: { أطراف}، والنهار له طرفان، بدليل قوله تعالى: { وأقم الصلاة طرفي النهار} (هود:114)؛ وعليه يكون الجمع في قوله: { وأطراف النهار} من إطلاق اسم الجمع على المثنى، قال ابن عاشور: "وهو متسع فيه في العربية عند أمن اللَّبس". ومنه أيضاً قوله عز وجل: { فإذا هم فريقان يختصمون} (النمل:45)، قال: { يختصمون}، ولم يقل: (يختصمان) على المثنى، وهو { فريقان}، قالوا: ذلك باعتبار اشتمال الفريقين على عدد كثير.
تقسيم الاسم إلى مفرد ومثنى وجمع
الشرط الثالث: عدم التركيب، فلا يثنى المركب تركيبًا إسناديًّا باتفاق، وذلك نحو: جاد الحق، وتأبط شرًّا؛ لأن الجمل يجب حكايتها، فلا تلحقها علامة تثنية، ولا علامة جر، ولا يثنى كذلك المركب تركيبًا مزجيًّا على الأصح، وذلك نحو: معدي كرب، وسيبويه، فإن أريدت دلالته على تثنية ما سمي به من المركب الإسنادي أو المركب المزجي، أضيف إليهما: ذوا، أو ذوات، فيقال: حضر ذوا جاد الحق، وذوا سيبويه -أي: حضر صاحبا هذا الاسم. والمجوزون تثنية المركب المزجي قال بعضهم: يقال معدي كربان، وسيبويهانِ، وقال بعضهم: يحذف عجز المختوم بـ"ويهٍ" ويثنى صدره، ويقال: سيبان، أما العلم المركب تركيبًا إضافيًّا: فإنما يثنى جزؤه الأول على الأصح، فيقال: جاء أبوا بكر، وسلمت على عبدي الله. الشرط الرابع: التنكير، فلا يثنى العلم باقيًا على علميته، بل ينكر، ثم يثنى مقرونًا بـ"أل" أو بما يفيد فائدة "أل"؛ ليكون ذلك كالعوض من العلمية، فيقال مثلًا: جاء الزيدان، ويقال أيضًا: يا زيدان؛ لأن أداة النداء من أدوات التعريف، قالوا: ولهذا لا تثنى كنايات الأعلام، كفلان وفلانة؛ لأنها لا تقبل التنكير. الشرط الخامس: اتفاق اللفظ، وأما نحو: الأبوين: للأب والأم، والعمرين: لعمر وأبي بكر، والقمرين: للشمس والقمر، كما قال الله تعالى: {وَلأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا السّدُسُ} [النساء: 11] قال عز وجل: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] قالوا: ومن ذلك قول المتنبي:
واستقبلت قمر السماء بوجهها * فأرتني القمرين في وقت معَا
قال ابن هشام: أي: الشمس، وهو وجهها، وقمر السماء.
وردت صيغة المثنى في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وجاءت بصيغة التذكير والتأنيث، وجاءت في مواضع متوافقة بين المسند والمسند إليه، وهو الأصل في هذه الصيغة، وجاءت في مواضع مخالفة بين المسند والمسند إليه، وبيان ذلك نوضحه فيما يأتي: الأصل في صيغة التثنية الأصل في صيغة التثنية موافقة المسند المسند إليه، سواء أكانا مبتدأ وخبراً، أو فعلاً وفاعلاً، تقول في الأول: الطالبان مجتهدان، فقد وافق الخبر المبتدأ في صيغة التثنية. وتقول في الثاني: رأيت الطالبين يعبران الشارع، وقد وافق الفاعل الفعل في التثنية. بيد أن العرب قد تخرج على هذا الأصل لاعتبارات معينة، كما في قول امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فقد خاطب بصيغة المثنى، فقال: قفا، والمخاطب واحد. ومن هذا الباب أيضاً قول لبيد: إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل
قيل: أراد وكلا ذينك، فأطلق المفرد (ذلك)، وأراد به المثنى. أقوال العلماء في صيغة التثنية ذكر أهل العلم أقوالاً تتعلق بمجيء صيغة التثنية مخالفة لأصل وضعها، وتبين سبب مجيئها في كلام العرب على خلاف ما يقتضيه الأصل، ف الفراء يقول في هذا الصدد: "والعرب توقع ضمير الجمع على المثنى".