ثم قال تعالى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الآية. أي: ومن لم يستطع الطول الذي هو المهر لنكاح المحصنات أي: الحرائر المؤمنات وخاف على نفسه العَنَت أي: الزنا والمشقة الكثيرة، فيجوز له نكاح الإماء المملوكات المؤمنات. وهذا بحسب ما يظهر، وإلا فالله أعلم بالمؤمن الصادق من غيره، فأمور الدنيا مبنية على ظواهر الأمور، وأحكام الآخرة مبنية على ما في البواطن. { فَانْكِحُوهُنَّ} أي: المملوكات { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} أي: سيدهن واحدا أو متعددا. { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: ولو كن إماء، فإنه كما يجب المهر للحرة فكذلك يجب للأمة. ولكن لا يجوز نكاح الإماء إلا إذا كن { مُحْصَنَاتٍ} أي: عفيفات عن الزنا { غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} أي: زانيات علانية. { وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} أي: أخلاء في السر. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - القول في تأويل قوله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا "- الجزء رقم8. فالحاصل أنه لا يجوز للحر المسلم نكاح أمة إلا بأربعة شروط ذكرها الله: الإيمان بهن والعفة ظاهرا وباطنا، وعدم استطاعة طول الحرة، وخوف العنت، فإذا تمت هذه الشروط جاز له نكاحهن. ومع هذا فالصبر عن نكاحهن أفضل لما فيه من تعريض الأولاد للرق، ولما فيه من الدناءة والعيب. وهذا إذا أمكن الصبر، فإن لم يمكن الصبر عن المحرم إلا بنكاحهن وجب ذلك.
- إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - القول في تأويل قوله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا "- الجزء رقم8
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - القول في تأويل قوله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا "- الجزء رقم8
قوله تعالى: ( ذلك) يعني: نكاح الأمة عند عدم الطول ، ( لمن خشي العنت منكم) يعني: الزنا ، يريد المشقة لغلبة الشهوة ، ( وإن تصبروا) عن نكاح الإماء متعففين ، ( خير لكم) لئلا يخلق الولد رقيقا ( والله غفور رحيم).
9061 - حدثني المثنى قال: حدثنا حبان بن موسى قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: لا نكره أن ينكح ذو اليسار اليوم الأمة ، إذا خشي أن يشقى بها. ومن لم يستطع منكم طولا. قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب - قول من قال: معنى " الطول " في هذا الموضع ، السعة والغنى من المال ، لإجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرم شيئا من الأشياء - سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرة - فأحل ما حرم من ذلك عند غلبة المحرم عليه له ، لقضاء لذة. فإذ كان ذلك إجماعا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول ، فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول لا يحل له من أجل غلبة هوى عنده فيها ، لأن ذلك - مع وجوده [ ص: 185] الطول إلى الحرة - منه قضاء لذة وشهوة ، وليس بموضع ضرورة ترفع برخصة ، كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه ، فيترخص في أكلها ليحيي بها نفسه ، وما أشبه ذلك من المحرمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه - ما حرم عليهم منها في غيرها من الأحوال. ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبد في حرام لقضاء لذة. وفي إجماع الجميع على أن رجلا لو غلبه هوى امرأة حرة أو أمة ، أنها لا تحل له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به - ما يوضح فساد قول من قال: " معنى الطول في هذا الموضع: الهوى " وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الإماء.