كأن يقولون مثلاً للنبي ﷺ: ابن أبي كبشة، كل ذلك تيهًا وكبرًا وتعاظمًا، وتعالي منهم، فعلى كل حال، كما قال الله : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]. كذا كان أعداء الرسل؛ وذلك أمر يتكرر أيضًا، ولكل قوم تابع. فهنا قال: الكبر بطر الحق فالذي يرد الحق؛ لأنه جاء عن طريق من يستصغره، ومن يحتقره، ومن لا يراه أهلاً، ومن يره دونه في المرتبة، أو في العلم، أو في الألقاب العلمية، كما يقال، وما أشبه ذلك. هذا كله من الكبر، سواء كان يرده مباشرة، أو يرده بطريقة أخرى، لا تكون صريحة، هذا منه؛ ولذلك تجد بعض الطلاب يتحرج أمام أستاذه حينما يخطئ خطأ واضحًا يلوح كالشمس. فكل إنسان يخطئ، وكل إنسان يصيبه الذهول، والكمال لله ، ولا يحوي أحد جميع العلم، والإنسان يحفظ المسألة، فتجد هذا الإنسان يخطئ خطًا واضحًا مبينًا، فيتحرج به طلابه، كيف يستطيعون إيصال الصواب له؟ وكيف يستطيعون نصحه؟ فبعضهم يترك ذلك، وبعضهم يضطر لكتابة ورقة، ويضعها على سيارته، أو يضعها تحت باب مكتبه، أو نحو هذا؛ لأنهم يرون أنه لا يتقبل، ولربما جربوه قبل ذلك. من ذا الذي يتألى عليه السلام. فإذا ذكروا له أن هذا غير صحيح، وإن هذا خطأ، وتلطفوا في بيان مسألة أخطأ فيها، أو في الدليل، أو نحو ذلك، فإنه لربما يصدر منه تصرفات عجيبة.
من ذا الذي يتألى عليه السلام
عَنْ جُنْدَبٍ بن عبدالله البَجَلي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ: أَنَّ ((رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ)) أَوْ كَمَا قَالَ؛ رواه مسلم، ومعنى ((يتألَّى عليَّ))؛ أي: يُقْسِم عليَّ. فهذا الحديث يبين عدة مسائل مهمة:
أولًا: لا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه ولو مازحًا: واللهِ، لن يغفر الله لك، أو لن يدخلك الجنة أبدًا، أو والله إنك ستدخل النار؛ لما في ذلك من القولِ على الله بغير علم، فلا يجوز لنا أن نحجر رحمة الله عن أحد، فالكل تحت المشيئة، ولا نجزم لأحد بدخول جنة أو نار، إلا من شهد له رسول اللهصلى الله عليه وسلم بذلك، فبعض الناس تراه يقول عن شخص ما: هذا رجل صالح لم يضُرَّ أحدًا، ولا يعرف قلبه الحقد على أحد، هذا أشهد بأنه من أهل الجنة! والبعض الآخر إذا رأى رجلًا بارًّا بأحد والديه مدَحَه قائلًا: هذا رجل ما قصَّر في حقِّ والديه، وأشهد أنه لن يُسأل عنهما يوم القيامة، وما أدراك أنه لن يسأل؟ ولِمَ التقوُّل على الله بما لا تعلم؟
فلا يشرع أن تحكم بأن الله راضٍ عن فلان، أو أن تحكم بأن الله ساخطٌ على فلان، فهذا ما لا نعلمه؛ لأن هذا ليس لنا؛ وإنما هو علم يختص به الله عز وجل، فلا يعلم السرائر إلا الله عز وجل، فإن شاء الله عفا عن عبده، وإن شاء أخذه بذنبه؛ لذلك لا يجوز للمسلم أن يقتحم هذه الأمور ويتصدَّى لها، خصوصًا إذا أقسم في كلامه مُتأليًا على الله، فيصبح هذا الذَّنْبُ مُحبِطًا لعمله.
من ذا الذي يتألى علي
قال: خلني وربي، أبعثت
علي رقيبا؟! فقال: والله لا يغفر الله لك أو قال لا يدخلك الله الجنة
أبدا. فبعث إليهما ملك فقبض أرواحهما فاجتمعا عند الله - جل وعلا -
فقال ربنا للمجتهد: أكنت عالما أم كنت قادرا على ما في يدي، أم تحظر
رحمتي على عبدي، اذهب إلى الجنة يريد المذنب، قال للآخر اذهبوا به إلى
النار، فوالذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته »
[رواه ابن حبان في صحيحه]. قال أبو الطيب - رحمه الله -:
(متواخيين أي متقابلين في القصد والسعي، فهذا كان قاصدا وساعيا في
الخير وهذا كان قاصدا وساعيا في الشر، أقصر من الأقصار وهو الكف عن
الشيء مع القدرة عليه، أبعثت: بهمزة الاستفهام وبصيغة المجهول، أو
بقت دنياه وآخرته في القاموس أو بقه أهلكه أي أهلكت تلك الكلمة ما سعى
في الدنيا وحظ الآخرة) أ. 57- باب ما جاء في الإقسام على الله. هـ [عون المعبود (13 /166 - 167)]. فعلى المسلم أن يحفظ لسانه ويتورع عن إطلاقه فيما لا يعنيه فقد قال
صلى الله عليه وسلم:
«... وهل يكب الناس على وجوههم أو
على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم » [رواه الترمذي]. و قال صلى الله عليه وسلم: « إن العبد
ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق
والمغرب » [متفق عليه].
من ذا الذي يتألى عليه
ثانيًا: ومما يستفاد من الحديث أن الرجلَ الصالح يجب عليه ألا يحتقر أحدًا من المقصرين المذنبين، وألا ينظر إليهم بعينِ الازدراء، وألا ينظر إلى نفسه بعين التعظيم والكبر والإعجاب، فإن ذلك من موجبات الهلاك، فذلك العابد الناصح اغترَّ بصلاحه، وأعجب بنفسه، واحتقر ذلك العاصي؛ لأجل إصراره على ذنبه؛ لذلك قيل: "رُبَّ معصيةٍ أورثَتْ ذُلًّا واستصغارًا، خيرٌ من طاعة أوجبَتْ عُجبًا واستكبارًا". ثالثًا: على المسلم الذي نَصَّبَ نفسه للدعوة إلى الله أن يُحسِّن أسلوبَه مع الناس، وأن يكون همُّه كسبَ قلوبهم؛ لا كسب موقفٍ عليهم. من ذا الذي يتألى عليه. رابعًا: يحرم على المسلم تقنيط أي إنسان من رحمة الله التي وسِعَتْ كُلَّ شيء، فإن العاصي حينما يرى أن باب الرحمة والتوبة قد أُغلِق في وجهه، فسيستمر في معاصيه، ويزدادُ انحرافًا وعصيانًا، ولنا عبرة في قصة من قتل تسعة وتسعين شخصًا وأراد التوبة، فذهب إلى عابد جاهل في أحكام الدين، فسأله هل له من توبة، فاستعظم العابد ذَنْبَه، فقال: ليس لك توبة - وكأن لسان حاله يقول: لن يغفر الله لك بسبب عظم ذنبك - فقام فقتله وأكمل به المائة. فبدل التقنيط من رحمة الله استخدم أسلوب الترغيب والترهيب فيما ورد من أحاديث نبوية، فإنها خيرُ معينٍ لعودة العاصي إلى رشده.
عربي
Español
Deutsch
Français
English
Indonesia
الرئيسية
موسوعات
مقالات
الفتوى
الاستشارات
الصوتيات
المكتبة
جاليري
مواريث
بنين وبنات
القرآن الكريم
علماء ودعاة
القراءات العشر
الشجرة العلمية
البث المباشر
شارك بملفاتك
Update Required
To play the media you will need to either update your browser to a recent version or update your Flash plugin.
2018-12-09 الكاتب: احمد مجدي مشاهدات: 5708 مره البحث العلمي, نصائح للكتابة العلمية, مفاهيم هامة في البحث العلمي, مهارات كتابة الرسائل العلمية, تنظيم كتابة البحث العلمي, البحث, الباحث, الكتابة العلمية, تعريف الكتابة العلمية, مفهوم الكتابة العلمية في اللغة العربية, كتابة الرسائل العلمية, ما هي الكتابة العلمية, دليل كتابة الرسائل العلمية يتناول المقال الحالي بعض القواعد العامة للكتابة العلمية، حيث توجد مجموعة من القواعد والأسس التي يجب على الباحث مراعاتها أثناء كتابة البحوث العلمية وعلى الرغم من أن بعض تلك القواعد قد تبدو بسيطة إلا أنها هامة للغاية
تعريف الكتابة العلمية واللإفتاء
قلنا إن الكتابة العلمية ليست مجرد سردا للمعلومات حتى ولو كانت صحيحة، مجرد سرد المعلومات فقط له عدة مساوئ، أولا ستكون الكتابة مملة جدا للقارئ، ثانيا هي ليست مفيدة بالقدر الكافى لأنها لن تثير فضول القارئ ولن تدفعه للتفكير ولكنها قد تدفعه للحفظ ليردد كالببغاء هذه المعلومات أمام الناس ليفخر بها أو ليشترك بها في برامج المسابقات! ثالثا وهو الأهم أنها قد لا تعطى المعلومة التي يريدها الكاتب حتى وإن كان يظن أنه أعطاها، وأفضل مثال لذلك يعطيه الفيزيائى العظيم ريتشارد فاينمان الحاصل على نوبل الفيزياء (والذى تكلمنا عنه عدة مرات في مقالات سابقة): افترض أنك تريد أن تكتب مقالا علميا عن نوع معين من الطيور، إذا اتبعت أسلوب السرد المباشر فقد تكتب "هذا الطائر يسمى كذا ولكن في ألمانيا يسمونه كذا وفي الصين يسمونه كذا... " وتظن أنك تعطى القارئ معلومات عن الطائر والحقيقة أنك تعطى القارئ معلومات عن الناس وكيف يسمون الطائر، ولكن القارئ حتى الآن لا يعلم شيئا عن الطائر! وهكذا تجد الكثيرين يحفظون أسماء وتواريخ ويظنون أنهم علماء أو مثقفون وهم ليسوا أكثر من شرائط تسجيل (أو لنقل ملف صوت حيث انقرضت الشرائط! ). مثال آخر يعطيه فاينمان عن كتاب علوم للأطفال، الصورة الأولى في الكتاب عن لعبة على شكل كلب تعمل بالزنبرك وتحتها سؤال: "كيف يعمل هذا الشيء؟"، والصورة التالية لكلب حقيقى وتحتها نفس السؤال، ما أثار استياء فاينمان أن الإجابة عن السؤالين كانت "الطاقة تحركهم"، كان فاينمان يتوقع أن الإجابة ستكون شرح لماهية علوم الفيزياء والأحياء والفروق والتشابه بينهما، ولكن مفهوم الطاقة مفهوم صعب جدا شرحه للأطفال، والنتيجة أن هؤلاء الأطفال سيحفظون أن هناك شيئا يسمى الطاقة يحرك الأجهزة والكائنات الحية ولكنهم لن يعرفوا شيئا عن ماهية الطاقة ولا عن الفارق والعلاقة بين علوم الفيزياء والأحياء والكيمياء.. إلخ.
يواجه علماء ومهندسون أحياناً أعدادا وحجومًا وكميات صغيرة جدًا او كبيرة جدًا مثل: أجزاء من الألف، أجزاء من مليون، أو أجزاء من مليار، على سبيل المثال نانوتكنولوجيا او بإختصار نانوتك هو اسم يشمل مجال البحث والتكنولوجيا وهو جديد نسبيًا، يبحث باجسام ذي قياسات ذرية وصغيرة جداً جداً! العمل مع اعدادٍ كهذه شيء غير سهل و كتابتها تستهلك الزمن ومُعَقدة. حتى اذا مررنا الحسابات للتكنولوجيا، ادخال هذه الاعداد يستهلك زمناً ودقة متناهية. لكي نبسط العملية وتصبح اكثر سهولة هناك كتابة الاعداد كتابة علمية ، واحيانا ندعوها صورة قياسية (Standard). سوف نتعلم ما هي الكتابة العلمية لعدد عشري نسبي وكيف نكتب من خلالها العدد. لكن قبل كل ذلك أعطِ مثالين لحجمين أو كميتين كبيرتين جدًا، وكذلك حجمين أو كميتين صغيرتين جدًا. لا حاجة للتذكير ان الانترنت يمكن أن يساعد لإيجاد امثلة هامة وشيقة. تعرض لنا في حياتنا العلمية أحيانا أعداد تكون كبيرة جدا أو صغيرة جدا ، فعلى سبيل مثال سرعة الضوء 300000000 م/ ث ، وكذلك الميكرون الواحد يساوي 0. 00003937 بوصة ولا شك في أن التعامل مع هذه الأعداد بصورتها العشرية هذه يعد صعبا دون استخدام الآلة الحاسبة لذلك تم الاتفاق على استخدام أسس العدد 10 لكتابة مثل هذه الأعداد ، لتكون على الشكل a × 10 n حيث:
a محصورة بين واحد وعشرة (أكبر من أويساوي 1 و أصغر قطعا من 10).