وأما آية المائدة { من بعد مواضعه}، فقد وردت في ذكر طائفة معينة أبطلوا العمل بكلام ثابت في التوراة إذ ألغوا حكم الرجم الثابت فيها دون تعويضه بغيره من الكلام، فهذا أشد جرأة من التحريف الآخر، فكان قوله: { من بعد مواضعه} أبلغ في تحريف الكلام؛ لأن لفظ { بعد} يقتضي أن مواضع الكلم مستقرة، وأنه أبطل العمل بها مع بقائها قائمة في كتاب التوراة. وقال الشيخ الشعراوي في توجيه قوله سبحانه: { يحرفون الكلم عن مواضعه}: فكأن المسألة لها أصل عندهم، فالكلام المنزل من الله، وُضع أولاً وضعه الحقيقي، ثم أزالوه، وبدلوه، ووضعوا مكانه كلاماً غيره، مثل تحريفهم الرجم، بوضعهم الحد مكانه. أما قوله تعالى: { من بعد مواضعه}، فتفيد أنهم رفعوا الكلام المقدس من موضعه الحق، ووضعوه موضع الباطل بالتأويل، والتحريف حسب أهوائهم، بما اقتضته شهواتهم. فكـأنه كانت له مواضع، هو جدير بها. تفسير يحرفون الكلم من بعد مواضعه - موسوعة. فحين حرفوه، تركوه كالغريب المنقطع، الذي لا موضع له، فمرة يبدلون كلام الله بكلام من عندهم، ومرة أخرى يحرفون كلام الله بتأويله حسب أهوائهم. وأنت تلحظ أن جميع التوجيهات اتجهت إلى الحديث عن آية النساء وآية المائدة الثانية، ولم تتعرض للحديث عن آية المائدة الأولى؛ كونها مشابهة لآية النساء، وواردة في الموضوع نفسه.
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا
آية (13):
* ما الفرق بين يحرّفون الكلم عن مواضعه (13) المائدة، ويحرفون الكلم من بعد مواضعه (41) المائدة؟
*د. من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه. حسام النعيمى:
كان يمكن في غير القرآن أن يستعمل صيغة واحدة (عن مواضعه) لكن لما ننظر في الآيات التي وردت فيها (عن مواضعه) نجد أن الكلام على تحريف التوراة قديماً (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) كان عندهم ميثاق بما استحفظوا من كتاب الله (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة) الكلِم له موضع وهم غيّروه وحرّفوه. أما (من بعد مواضعه) فكان تحريفاً في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد أن ثبتت التوراة، الكلام مثبت عندهم، التحريف قديم لكن هنا الكلام ثُبّت في مواضعه ثم جاءوا بعد ذلك وغيّروه عن مواضعه. اليهود حرّفوا التوراة قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن مواضعه، له مواضع حرفوه عنها. الآن ثبت، فمن بعد أن وضعوه في مواضعه عادوا مرة أخرى وحرّفوه.
الفرق بين يحرّفون الكلم عن مواضعه (13) المائدة، ويحرفون الكلم من بعد مواضعه (41) المائدة – Albayan Alqurany
ثم قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا) أي: قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه، فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم وقد تقدم الكلام على قوله تعالى:.. فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ [البقرة:88] والمقصود: أنهم لا يؤمنون إيمانا نافعا. يقول تعالى -آمرا أهل الكتاب بالإيمان بما نـزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب.....
وقد ذكر الله أستهزاء اليهود بكلام الله فى كثير من السور
وكما سبق وذكرنا فى سورة البقرة أيضا
وفى تفسير الطبرى يذكر....... الفرق بين يحرّفون الكلم عن مواضعه (13) المائدة، ويحرفون الكلم من بعد مواضعه (41) المائدة – Albayan alqurany. وأما تأويل قوله: " يُحَرِّفون الكلِمَ عن مواضعه "، فإنه يقول: يبدِّلون معناها ويغيِّرونها عن تأويله. * * *
و " الكلم " جماع " كلمة ". وكان مجاهد يقول: عنى بـ " الكلم "، التوراة. 9691 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " يحرفون الكلم عن مواضعه "، تبديل اليهود التوراة. 9692 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
تفسير يحرفون الكلم من بعد مواضعه - موسوعة
﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾
قوله تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 46]. أولًا: سبب النزول:
قال البغوي - رحمه الله -: قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت اليهود يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن الأمر، فيخبرهم، فيرى أنهم يأخذون بقوله، فإذا انصرفوا من عنده حرفوا كلامه، وقال القرطبي رحمه الله: قال ابن عباس: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اسمع لا سمعت، هذا مرادهم - لعنهم الله - وهم يظهرون أنهم يريدون اسمع غير مسمع مكروهًا ولا أذى. ثانيًا: تضمنت الآية كما في سبب النزول ألوانًا من الأقوال والأعمال القبيحة التي كان اليهود يقولونها ويفعلونها للإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين، فكانوا يقولون له عليه الصلاة والسلام: (سمعنا)، قولك (وعصينا) أمرك، (واسمع غير مسمع)؛ أي: اسمع منا ولا نسمع منك، (غير مسمع)؛ أي: غير مقبول منك.
أما الآية فهي قول الله تعالى: ( وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (الأعراف: ٣٣). قال الإمام البغوي – رحمه الله -: (هو عام في تحريم القول في الدين من غير يقين). أما التجربة فهي للإمام مسروق – رحمه الله -: (اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله). سئل أبا بكر الصديق عن قوله تعالى (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) فقال رضي الله عنه: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟
ثم الواجب على الذي لا يدري أن يتعلم ويسأل ويبحث، وقدوتك في هذا السعي المبارك حديث وإمام.. أما الحديث فهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » رواه البخاري عن عثمان – رضي الله عنه – والخيرية هنا تشمل كل من يحاول ويسعى إلى تفهم القرآن وعلومه، وليس فقط ما يتبادر إلى الذهن من تجويده. أما الإمام فهو الإمام مسروق – رحمه الله – الذى قال العلامة الشهبي – رحمه الله – عن تجربته في تحصيل وتفسير وتعلم القرآن: رحل "مسروق" إلى البصرة في تفسير آية، فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام. فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها! وعندما تتعلم وتكون من أهل المعرفة والقول، يجب عليك أن تنشر خيرك على غيرك، ويجب القول فيما سُئلت عنه مما تعلمته ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: ١٨٧).