تدبر: (الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
سعيد مصطفى دياب
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾. [1]
قرأ أحد الغربيين هاتين الآيتين ثم أعلن إسلامه، فلما سئل عن سبب إسلامه قال: هذا الكلام لا يقوله إلا الله، فإن النقص من شأن البشر. قلت صدق والله. فإنه لا يستطيع أحد من البشر أن يؤلف كتابًا، ثم يقول كلامي صوابٌ لا يحتمل الخطأ. وقديمًا قال القاضي عبد الرحيم البيساني: (إني رأيتُ أنه لا يكتب أحدٌ كتابًا في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لوُ غُيِّرَ هذا لكان أحسن ولو زيد هذا لكان يُستحَسن ولو قُدَّم هذا لكان أفضل ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر). الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. [2]
••••
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾. [3]
تحدى الله تعالى العرب وهم أساطين البلاغة، وأرباب الفصاحة، أن يأتوا بمثل القرآن مع أنه من الحروف التي يتكلمون بها، {الم}، {حم}، {عسق}، فعجزوا أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله، فعجزوا، ثم تحداهم، أن يأتوا بسورة من مثله، ولو كانت بقدر أصغر سوره، فعجزوا، فتحدى الأنس والجن فعجزوا، وأنى لهم أن يعارضوه وهو كلام الله العزيز الحكيم.
- الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
ويا له من مشهد مدهش! أن يكون طه حسين الضرير بيد من حُرم البصر والبصيرة، يُضِلُّه بجهله، ويدعه حائرًا في جنبات طريق العلم. الم ذلك الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. وقد سرد الأديب الكبير كيف قرأ عليهم شيخهم بيتًا من قصيدة أبي فراس الحمداني الشهيرة «أَراكَ عَصِيَّ الدَّمْعِ» على هذه الصورة:
بَدَوْتُ وَأَهْلِي حَاضِرُونَ لِأَنَّنِي
أَرَى أَنَّ دَارَ السِّتِّ مِنْ أَهْلِهَا قَفْرُ
وظل طه زمنًا يفكر في صمت ويسائل نفسه: كيف ترد لفظة «السِّتِّ» العامية في بيت شاعر عباسي، وربما كان السؤال الأكبر في ذهنه عن حقيقة تلك الست التي عناها أبو فراس، وأين دارها تلك التي وصفها بأنها قفر؟! ومرَّت السنون تلو السنين، ليكتشف فيما بعد أن خطأ كارثيًّا وراء تلك الأوهام التي نسجها عقله، وأن الشاعر إنما قال: «أَرَى أَنَّ دَارًا لَسْتِ.. »، وليس ثمة سِتٌّ ولا يحزنون.
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين. 194 الشعراء. َوَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3). النجم. أ ما ما يتلفظ به فلا يعتبر من الوحي أبدا، وشتان بين النطق، والتلفظ، وهذه بعض الآيات تتحدث عن الوحي الذي قال الله تعالى عنه: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ(45). الأنبياء. قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9). الم(1)ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ.. الأحقاف. إِ نَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23). الإنسان. والدليل القاطع هو في الآية التالية إذ تنذرنا بما سيقوله الخاسرون يوم الفرقان يوم لا ينفع الندم. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27)يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا(29).