وثانيها: الحكمة بمعنى الفهم والعلم ، ومنه قوله تعالى: ( وآتيناه الحكم صبيا) [مريم: 12] وفي لقمان: ( ولقد آتينا لقمان الحكمة) [لقمان: 12] يعني الفهم والعلم ، وفي الأنعام: ( أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم) [الأنعام: 89] يعني النبوة ، وفي ص: ( وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) [ص: 20] يعني النبوة ، وفي البقرة: ( وآتاه الله الملك والحكمة) [البقرة: 251]. ورابعها: القرآن بما فيه من عجائب الأسرار في النحل: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) [النحل: 125]. وفي هذه الآية: ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) وجميع هذه الوجوه عند التحقيق ترجع إلى العلم. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة البقرة - الآية 269. ثم تأمل أيها المسكين فإنه تعالى ما أعطى إلا القليل من العلم ، قال تعالى: ( وما أوتيتم من العلم) [ ص: 60] ( إلا قليلا) [الإسراء: 85] وسمى الدنيا بأسرها قليلا ، فقال: ( قل متاع الدنيا قليل) [النساء: 77] وانظر كم مقدار هذا القليل حتى تعرف عظمة ذلك الكثير ، والبرهان العقلي أيضا يطابقه ؛ لأن الدنيا متناهية المقدار ، متناهية المدة ، والعلوم لا نهاية لمراتبها وعددها ومدة بقائها ، والسعادة الحاصلة منها ، وذلك ينبئك على فضيلة العلم ، والاستقصاء في هذا الباب قد مر في تفسير قوله تعالى: ( وعلم آدم الأسماء كلها) [البقرة: 31].
ص834 - كتاب تفسير القرآن الكريم اللهيميد من الفاتحة إلى النساء - يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب - المكتبة الشاملة
يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة البقرة - الآية 269. هذه الجملة اعتراض وتذييل لما تضمنته آيات الإنفاق من المواعظ والآداب وتلقين الأخلاق الكريمة ، مما يكسب العاملين به رجاحة العقل واستقامة العمل. [ ص: 61] فالمقصود التنبيه إلى نفاسة ما وعظهم الله به ، وتنبيههم إلى أنهم قد أصبحوا به حكماء بعد أن كانوا في الجاهلية جهلاء ، فالمعنى: هذا من الحكمة التي آتاكم الله ، فهو يؤتي الحكمة من يشاء ، وهذا كقوله: وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به. قال الفخر: نبه على أن الأمر الذي لأجله وجب ترجيح وعد الرحمن على وعد الشيطان هو أن وعد الرحمن ترجحه الحكمة والعقل ، ووعد الشيطان ترجحه الشهوة والحس من حيث إنهما يأمران بتحصيل اللذة الحاضرة ، ولا شك أن حكم الحكمة هو الحكم الصادق المبرأ عن الزيغ ، وحكم الحس والشهوة يوقع في البلاء والمحنة ، فتعقيب قوله والله يعدكم مغفرة بقوله: يؤتي الحكمة إشارة إلى أن ما وعد به تعالى من المغفرة والفضل من الحكمة وأن الحكمة كلها من عطاء الله تعالى ، وأن الله تعالى يعطيها من يشاء. والحكمة إتقان العلم وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم ، فلذلك قيل: نزلت الحكمة على ألسنة العرب وعقول اليونان ، وأيدي الصينيين.
الدكتور سعد الخطابي ووصفته السحرية لــ الكاتب / ابراهيم المحجوب
المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: قرئ " ومن يؤتي الحكمة " بمعنى: ومن يؤته الله الحكمة ، وهكذا قرأ الأعمش. المسألة الثالثة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى وذلك لأن الحكمة إن فسرناها بالعلم لم تكن مفسرة بالعلوم الضرورية ، لأنها حاصلة للبهائم والمجانين والأطفال ، وهذه الأشياء لا توصف بأنها حكم ، فهي مفسرة بالعلوم النظرية ، وإن فسرناها بالأفعال الحسية فالأمر ظاهر ، وعلى التقديرين فيلزم أن يكون حصول العلوم النظرية والأفعال الحسية ثابتا من غيرهم ، وبتقدير مقدر من غيرهم ، وذلك الغير ليس إلا الله تعالى بالاتفاق ، فدل على أن فعل العبد خلق لله تعالى. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من الحكمة النبوة والقرآن ، أو قوة الفهم والحسية على ما هو قول الربيع بن أنس ؟. ص834 - كتاب تفسير القرآن الكريم اللهيميد من الفاتحة إلى النساء - يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب - المكتبة الشاملة. قلنا: الدليل الذي ذكرناه يدفع هذه الاحتمالات ، وذلك لأنه بالنقل المتواتر ثبت أنه يستعمل لفظ الحكيم في غير الأنبياء ، فتكون الحكمة مغايرة للنبوة والقرآن ، بل هي مفسرة إما بمعرفة حقائق الأشياء ، أو [ ص: 61] بالإقدام على الأفعال الحسنة الصائبة ، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل ، فإن حاولت المعتزلة حمل الإيتاء على التوفيق والإعانة والألطاف ، قلنا: كل ما فعله من هذا الجنس في حق المؤمنين فقد فعل مثله في حق الكفار ، مع أن هذا المدح العظيم المذكور في هذه الآية لا يتناولهم ، فعلمنا أن الحكمة المذكورة في هذه الآية شيء آخر سوى فعل الألطاف ، والله أعلم.
القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة البقرة - الآية 269
فإذا أوتي الإنسان موهبة, وصُقِلت بتجربة, فقد أوتي خيراً كثيراً, عرف في التراث (الأحنف بن قيس)، إذ من الحكمة ينبثق الحلم, والأناة. فالحكيم المتأني متلبس بالحلم, إذ لا حلم, ولا أناة بدون حكمة: حسية, ومعنوية. وفي موسوعات الأخلاق الحديثة تفصيل لهذه الخصال المشتركة, ومن ثم لا داعي لتقصي متعلقاتها. مصطلح الحكمة استخدم للتعبير عن المصدر الثاني من مصادر التشريع, وهو (الحديث النبوي) قال تعالى مخاطباً نساء النبي:- {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}. قال المفسرون: إن (الحكمة) هي ما أوحي إلى رسول الله, ولم يكن من القرآن, وهو (السُّنَّة). وحياة الرسول في بيوت نسائه, من أهم الحيوات, لأنه يمارس أعمالاً لا يَطَّلِعُ عليها أحدٌ من أصحابه, ويُحدِّث نساءه بأشياء, لا يُحَدِّث بها أحداً من أصحابه. {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}. (لطيف) بنسائه, حيث أنعم عليهن بهذا الفضل العظيم, وهو الزواج من رسول الله. (خبير) في اختياره لهن زوجات صالحات, طيبات لرسوله, وأمهات للمؤمنين. إنه فضل عظيم. هذه الآية, وآية (بيعة الرضوان) من أقوى الردود على غلاة الشيعة, الذين يؤذون مشاعر أهل السنة, بتجنيهم على حملة الرسالة, وأمهات المؤمنين.
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة البقرة - الآية 269
فأما الحكمة العملية فهي المتعلقة بما يصدر من أعمال الناس ، وهي تنحصر في تهذيب النفس وتهذيب العائلة وتهذيب الأمة. والأول علم الأخلاق ، وهو التخلق بصفات العلو الإلهي بحسب الطاقة البشرية ، فيما يصدر عنه كمال في الإنسان. والثاني: علم تدبير المنزل. والثالث علم السياسة المدنية والشرعية. وأما الحكمة النظرية فهي الباحثة عن الأمور التي تعلم وليست من الأعمال ، وإنما تعلم لتمام استقامة الأفهام والأعمال ، وهي ثلاثة علوم: علم يلقب بالأسفل وهو الطبيعي ، وعلم يلقب بالأوسط وهو الرياضي ، وعلم يلقب بالأعلى وهو الإلهي. فالطبيعي يبحث عن الأمور العامة للتكوين والخواص والكون والفساد ، ويندرج تحته حوادث الجو وطبقات الأرض والنبات والحيوان والإنسان ويندرج فيه الطب والكيمياء والنجوم. والرياضي الحساب والهندسة والهيئة والموسيقى ويندرج تحته الجبر والمساحة والحيل المتحركة ( الماكينية) وجر الأثقال. وأما الإلهي فهو خمسة أقسام: معاني الموجودات ، وأصول ومبادئ وهي المنطق ومناقضة الآراء الفاسدة ، وإثبات واجب الوجود وصفاته ، وإثبات الأرواح والمجردات ، وإثبات الوحي والرسالة ، وقد بين ذلك أبو نصر الفارابي وأبو علي ابن سينا.
درس الإيمان والفلسفة للسنة الأولى باكالوريا - محفظتي
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) لأنه خرج من ظلمة الجهالات إلى نور الهدى، ومن حمق الانحراف في الأقوال والأفعال إلى إصابة الصواب فيها، وحصول السداد، ولأنه كمل نفسه بهذا الخير العظيم، واستعد لنفع الخلق أعظم نفع في دينهم ودنياهم. وجميع الأشياء لا تصلح إلا بالحكمة، التي هي وضع الأشياء في مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام. (تفسير السعدي).
والحكيم هو النابغ في هاته العلوم أو بعضها فبحكمته يعتصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار مبلغ حكمته ، وفي الغرض الذي تتعلق به حكمته.