في زمن خلافة عمر بن عبدالعزيز قدم دمشق وفد مرسل من قبل ملك الروم إلى الخليفة العربي للمفاوضة ببعض الشؤون فاستأذنه في زيارة المسجد الأموي - الذي أصبح أحد عجائب الدنيا في ذلك العصر - فأذن لهم الخليفة وأصحبهم رجلاً يجيد اللغة الرومية، يسير معهم أينما ساروا كالدليل ويوهمهم أنه لا يعرف غير العربية؛ وإذا برئيس الوفد يقف مندهشاً وسط المسجد الأموي ويخاطب رفاقه بتفجع وتألم قائلاً: كنت أعتقد أن غزوات العرب مؤقتة غير دائمة، أما وقد صار لهم مثل هذا البناء وأضرابه فما أعتقد منذ الآن إلا أن دولتهم تبلغ مدى بعيداً في العمر. وفي بعض المصادر التاريخية أنه أغمي عليه من شدة غيظه. بعد هذه التوطئة نرى أن نشرع في تفسير الآية مستمدين منه تعالى الهداية. إنما يعمر مساجد الله. قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾. في هذه الآية قصر الصفة على الموصوف، أي إن عمارة المساجد محصورة فيمن آمن بالله.. إلخ. لا تتعداهم إلى غيرهم، فهي مقصورة عليهم وحدهم، فلا حق لأحد في عمارة مساجد الله غيرهم. وقد أورد الله عز وجل صيغة القصر هنا رداً على من لم يؤمن بالله واليوم الآخر حالة كونه مجاهراً بكفره وطغيانه وهو يريد أن يخادع المسلمين في بناء مسجد لأجل أن يوقع المسلمين في مكائده وأشراكه.
انما يعمر مساجد الله من ءامن
ثم مر فلم [ ص: 268] يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قلت: بلغ صاحبها ما قلت فهدمها. فقال: رحمه الله. وأخرج أحمد في "الزهد" والحكيم الترمذي ، عن مالك بن دينار قال: يقول الله إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى جلساء القرآن وعمار المساجد وولدان الإسلام سكن غضبي.
ومع ذلك فالمقصود بارتياد المساجد والمقصود بعمارتها ما كان مقصوداً
به وجه الله، ولا يُقصد بذلك ما قُصد به الرياء والتسميع، أو ما كان
عادةً للإنسان دون أن يحتسب فيه وجه الله. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت. محمد الحسن الددو الشنقيطي
أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في
موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط. تفسير: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة). 16
5
73, 162