قلب فؤادك حيث شئت من الهوى فما الحب الا للحبيب الاول - YouTube
قلب فؤادك حيث شئت من الهوى مافيه كاسب وخسران
ومَن قالَ: إنَّنا يجب أنْ نَنْسَى الحبيبَ الأوَّل إذا أحببنا بعدَه؟! كلا، لا نَنساه، ولكن قد نُحِبُّ غيرَه مع بَقاء حُبِّه في قلوبنا، وليس هناك أيُّ تَناقُضٍ أو تَعارُضٍ في هذا الأمر. فهذا حبيبُنا - عليه الصلاة والسلام - كان أحب الناس إليه أمنا عائِشة - رضِي الله عنْها - لكن مَنْ قالَ: إنَّه نَسِيَ حبَّه الأوَّل، حب أمِّنا خديجة - رضِي الله عنْها - فما زالَ حبُّها في قلبه حتى بعدَ موتها بسنين. وهذه الأمُّ تُحِبُّ مولودَها الصغير، لكن هل زالَ حبُّها لابنها الكبير؟! قلب فؤادك حيث شئت من الهوى مافيه كاسب وخسران. ففكري ومنهجي في الحب "مع الحبيب الأولِ والمُقبلِ معًا" لا مع أحدِهما ضد الآخر؛ فالحبُّ الحقيقيُّ يَبقَى في القلب ولا يَزول وإنْ طالَ الدهرُ أو قصر. إنِّي هُنا أتكلَّم عن الحب الحقيقي، أمَّا إذا خانَنا مَنْ نُحِبُّ فلا أقول: إنَّ الحبَّ يَزولُ من القلبِ فحسب، بل إنِّ حُبَّهُ يتحوَّلُ بُغضًا وكراهية. كيف لا، وقد كانَ توءمَ الرُّوح، أمَّا الآن فقد كَسَرَ الروح، فالخائن والكاذب في حبِّه لا نعده أصلاً في خانَةِ الأحبَّة، بل جزاؤه أن نُديرَ له ظهورنا، ونُكمِلَ المَسيرَ في حياتنا. فهذا الشاعر الأندلسي "ابن زيدون" كان يُحبُّ "ولاَّدَة بنت المُسْتَكفي"، وقد كتبَ فيها قصيدةً تُعدُّ مِنْ أجمل قصائد الشعرِ العربي، وهي قصيدة "أضحى التَّنائي"[1]، لكن عندما خانَتْه "ولاَّدة" وعيَّرَه الناسُ بذلِك قال:
عَيَّرْتُمُونَا بِأَنْ قَدْ صَارَ يَخْلُفُنَا
فِيمَنْ نُحِبُّ، وَمَا فِي ذَاكَ مِنْ عَارِ
أكْلٌ شَهِيٌّ أَصَبْنَا مِنْ أَطَايِبِهِ
بَعْضًا، وَبَعْضًا صَفَحْنَا عَنْهُ لِلْفَارِ
أي: شبَّه مَن خانَتْه بالأكل الشهيِّ، فلمَّا أكله ألقى فَضَلات طعامه للفأر، فالقصدُ أنّ الخائنَ لا يُعَدُّ أبَدًا مِنْ ضِمنِ الأحبة.
بل تجد أنَّ النَّبتَة تكون في بِدايتها رقيقةً صغيرة، تُساعِدُها الأرضُ بنموِّها والماء في رَيِّ عطشها. قلب فؤادك حيث شئت من الهوى لك على ماتباه. ويأتي عليها الصيف والخريفُ والشتاء، وتمرُّ بها أيَّامُ المِحَنِ والعَواصِف والجَفاف، إلى أنْ تَكبر شيئًا فشيئًا وتَقوى.. حتى إذا قَدِمَ الربيع جاءت الثمرة. وكذلك يُثمِرُ القلبُ بالحب، فالحبيب المُقبِل كالثمرة ، تأتي في الأخير وتَعيشُ مُدلَّلةً في الربيع، في ربيع القلبِ وفي وَسَطِه، ويكونُ حالُ الحبيبِ المُقبِل كما قالَ الشاعر:
مَنْ لِي بِمِثْلِ سَيْرِكَ الْمُدَلَّلِ
تَمْشِي رُوَيْدًا وَتَجِي فِي الْأَوَّلِ
يقول الشاعر " ديك الجن " ردًّا على أبيات " أبي تمام " التي ذكرتُها في بداية الموضوع:
كَذَبَ الَّذِينَ تَحَدَّثُوا فِي الْهَوَى
مَا لِي أَحِنُّ إِلَى خَرَابٍ مُقْفِرٍ
دَرَسَتْ مَعَالِمُهُ كَأَنْ لَمْ يُؤْهَلِ
دَرَسَتْ: انمحت واختفت. شبَّهَ الحبيب الأوَّل بالأرض الخربة التي انمحت آثارها، حتى كأنها لم تكُن مَأهولة من قبل، فكيف يحنُّ الإنسان ويَشتاق إلى الخَرابة؟!