الخطبة الأولى:
من رحمة الله بعباده أن جعل لهم من الثواب على أعمالهم ما تهنأُ به نفوسُهم، وَتَقرُّ به عيونُهم، فيزدادوا عملاً إلى عملهم، وحرصًا إلى حرصهم. ومن جملة ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- من ثواب من اتصف بالصفات الفاضلة، والأعمال الحميدة، ما جاء في الحديث المتفق عليه: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه ". شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله إسلام ويب. هذا الحديث حوى جملة ممن اتصفوا بصفات كريمة في الدنيا، تحلوا بها، وتخلقّوا بآدابها، فوُعدوا بالثواب الجزيل، والخير العميم، والمراد بهؤلاء السبعة: سبعة أصناف وليس المرادُ سبعةَ أشخاص، وهم لا ينحصرون في عدد معين. وقد تتعدد الأصناف أيضًا فليست مقصورة على السبعة الواردة في الحديث فقط، فقد ذكر الإمام ابن حجر -رحمه الله- أكثر من عشرين صنفًا يظلهم الله في ظله، مثل: " من أنظر معسرًا أو وضع عنه، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "(رواه مسلم).
شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله إسلام ويب
قال ابن حجر -رحمه الله- تنبيهًا بعد شرحه لهذا الحديث: "إن هذه الخصالَ السبعة، يشترك فيها النساء إذا كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حين تكون ذات عيال، فتعدل فيهم كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهم- أن: " المرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها "(رواه البخاري)، وتخرج أيضًا خصلة ملازمة المسجد، لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ذَكَرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء السبعة، إذ كلٌّ منهم كَمَّل العبادة التي قام بها، فالإمام العادل كمَّل ما يجب من الإمارة، والشاب الناشئ في عبادة الله كمَّل ما يجب من عبادة الله، والذي قلبه معلق بالمساجد كمَّل عمارة المساجد بالصلوات الخمس؛ لقوله: ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ)[التّوبَة: 18]، والعفيف كمَّل الخوف من الله، والمتصدق كمّل الصدقة، والباكي كمّل الإخلاص".
شرح حديث سبعه يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله
وقد ورد في فضل المحبة في الله ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي "(رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته مَلكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أن أزور أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة ترُبُّها؟ قال: لا غير أني أحببته في الله -عز وجل-، قال إني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه "(رواه مسلم). الخامس: رجل دعته امرأةٌ ذاتُ منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، وذات منصب: يعني شريفة ليست دنيئة، والجمال أمر يدعو النفس إلى التطلع للمرأة، والمنصب يستلزم المال، فاجتمع منصبٌ ومالٌ وجمال، وهي أمور قلَّ أن تجتمع في امرأة، وخص المنصب والجمال، لكثرة الرغبة فيها، وعسر حصولها، لكن هذا الرجل لم يتأثر بالمغريات، بل قال: إني أخاف الله، فلم يخف غير الله، كما قال يوسف -عليه السلام- لامرأة العزيز معاذ الله، قال القرطبي -رحمه الله-: " إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله، ومتين تقوى وحياء ". جعلنا الله من أهل البذل والعطاء والعفاف. شرح حديث سبعه يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
إنه الطهر والعفاف في أروع صورة ، فأستحق صاحبه رحمة الله وفضله ، فجعله ممن يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.