القول في تأويل قوله تعالى: ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ( 15))
يقول تعالى ذكره: ( ودخل) موسى ( المدينة) مدينة منف من مصر ( على حين غفلة من أهلها) وذلك عند القائلة ، نصف النهار. "فوكزه موسى" هل ارتكب موسى كبيرة ؟ وهل هي عمد أم خطأ؟؟؟ - ملتقى أهل التفسير. واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله دخل موسى هذه المدينة في هذا [ ص: 537] الوقت ، فقال بعضهم: دخلها متبعا أثر فرعون ، لأن فرعون ركب وموسى غير شاهد; فلما حضر علم بركوبه فركب واتبع أثره ، وأدركه المقيل في هذه المدينة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى ، قال: ثنا عمرو ، قال: ثنا أسباط ، عن السدي ، قال: كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون ، ويلبس مثل ما يلبس ، وكان إنما يدعى موسى بن فرعون ، ثم إن فرعون ركب مركبا وليس عنده موسى; فلما جاء موسى قيل له: إن فرعون قد ركب ، فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف ، فدخلها نصف النهار ، وقد تغلقت أسواقها ، وليس في طرقها أحد ، وهي التي يقول الله: ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها). وقال آخرون: بل دخلها مستخفيا من فرعون وقومه ، لأنه كان قد خالفهم في دينهم ، وعاب ما كانوا عليه.
- القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القصص - الآية 15
- "فوكزه موسى" هل ارتكب موسى كبيرة ؟ وهل هي عمد أم خطأ؟؟؟ - ملتقى أهل التفسير
- تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٢
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القصص - الآية 15
ما نفهمه من هذه الآية الكريمة هو أن النبي موسى عليه السلام أقوى وأكثر تحملا من الجبل. كيف ذلك؟ عندما طلب موسى عليه السلام من الله عز وجل أن يريه ذاته العليا، قال الله تعالى "لَن تَرَانِي" و"لن" تفيد النفي في الزمن المستقبل (Ouhalla 1993)، بمعنى أن موسى لن يستطيع أن يرى الله تعالى كما طلب. (لن ندخل هنا في مسألة ما إذا كان نفي رؤية الله يقتصر على الدنيا أم يشمل كذلك الآخرة، وذلك لتفادي الجدال الجانبي حيث أن هذا ليس هوموضوع المقال). تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٢. ولكن الله تعالى أراد أن يبين لنبيه أنه ليس مهيأً لموقف مهيب كرؤية الذات الإلاهية، فقال الله له "وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي"، بمعنى أنه لو استطاع الجبل أن يتحمل موقف رؤية الله تعالى (أو رؤية جزء من الذات الإلاهية)، فإن موسى عليه السلام سوف يتحمل هذا الموقف. وبتعبير آخر فإن الله تعالى يقول لموسى عليه السلام إن استطاع الجبل أن يراني يا موسى فإنك (وبلا شك) سوف تراني، وذلك لأن "سوف" تفيد ضرورة تحقق الفعل الذي يليها في المستقبل (Fassi Fehri 1993). هذا وقد كان تجلي الله تعالى للجبل بقدر ثلث الخنصر أو أقل من ذلك، حسبما أوضح النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
&Quot;فوكزه موسى&Quot; هل ارتكب موسى كبيرة ؟ وهل هي عمد أم خطأ؟؟؟ - ملتقى أهل التفسير
وإذا كان موسى قد اندفع سابقاً للانتصار له، فليس ذلك من موقع الانتصار للقريب، بل من موقع الاعتقاد بأنه مظلومٌ من قِبَل القبطي انطلاقاً من دراسة طبيعة الأشياء في موازين الضعف والقوة. ولكن المسألة الآن هي أن صاحبه يدخل في خلافٍ جديدٍ، ما يوحي بأنه رجلٌ يتعمد المشاكسة مع الآخرين، وقد يكون انتصار موسى له أغراه في ذلك.
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٢
وجاء في تفسير الميزان: «ذكر جلّ المفسرين أن ضمير "قَالَ" للإِسرائيلي الذي كان يستصرخه، وذلك أنه ظن أن موسى إنما يريد أن يبطش به لما سمعه يعاتبه قبل بقوله: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} فهاله ما رأى من إرادته البطش فقال: {قَالَ يا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالاَْمْسِ} الخ، فعلم القبطي عند ذلك أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس، فرجع إلى فرعون وأخبره الخبر، فائتمروا بموسى وعزموا على قتله. ويعقب صاحب الميزان على ذلك بقوله: «وما ذكروه في محله لشهادة السياق، بذلك فلا يعبأ بما قيل: إن القائل هو القبطي دون الإسرائيلي»[3]. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القصص - الآية 15. وقد نلاحظ على ذلك أن السياق لا دلالة له على هذا التفسير، لأن ائتمار القوم به في ما أخبره به بعض الناس، لا يدلّ على ظهور أمر القتل من خلال القضية الثانية، بل قد يكون على أساس القضية الأولى التي ذاعت وشاعت بين الناس، وبعثت الخوف في نفس موسى، ولعل الذي يقتضيه الظهور هو أن يكون الكلام للقبطي عندما أراد موسى أن يبطش به، فكان كلامه لوناً من ألوان المحاولة بدفع موسى عنه بذلك بعد أن خاف أن يقتله، ولكن الوجه الذي ذكره محتمل، فقد ورد في بعض أحاديث الإمام الرضا(ع) المروية عنه في حديثه مع المأمون ما يؤكد ذلك.. في ما جاء في كتاب «عيون أخبار الرضا»، والله العالم.
[٩] [٨]
زواج موسى من إحدى الفتاتين
ذهب موسى -عليه السلام- إلى والد الفتاتين وأخبره بقصته مع فرعون وظلمه، فبشره بأنّه قد نجا من الظالمين لانتفاء سطوتهم على بلاده؛ قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). فوكزه موسى فقضى عليه. [١٠] [١١]
ثمّ عرض والد الفتاتين على موسى -عليه السلام- تزويجه بإحدى ابنتيه، [١١] على أن يكون مهرها رعي أغنامهم لمدة ثماني سنوات فإن زاد عليها لتصبح عشراً فذلك تبرعاً منه وإحساناً؛ قال الله -تعالى-: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّالِحِينَ). [١٢] [١٣]
فوافق موسى -عليه السلام- على ذلك العرض حيث قال الله -تعالى- على لسانه: (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّـهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ). [١٤] [١٣] خلاصة المقال: خرج موسى -عليه السلام- من مصر إلى مدين بعدما قتل القبطي الذي كان من آل فرعون دون أن يقصد ذلك، والتقى بفتاتين عند مورد ماء مدين فسقى لهما أغنامهما، فعادت إليه إحداهما وقد غمرها الحياء والأدب لتخبره بأنّ أباها يريد رؤيته لشكره على ما فعل، فذهب إليه موسى -عليه السلام- وأخبره بقصته مع فرعون وقومه، ثمّ قام والد الفتاتين بتزويجه إحدى ابنتيه على مهر رعي الغنم لمدة ثماني سنوات، فوافق موسى -عليه السلام.
اذا لم تجد ما تبحث عنه يمكنك استخدام كلمات أكثر دقة.