لقد تطاير إطار اللوحة شظايا ولم يعد التمثل عن بعد قائما. الأجساد غرقت في دمائها بعد أن تم سحقها وإعدامها في الحرب. هاهي الأجساد الآن تعود بقوة في الفن التشكيلي إلى جانب الصياح والصراخ العضوي. سوف تنتصب المنجزات التي قام الفنانون انفسهم بعرضها كإجابات على وحشية القرن. لم يسبق أبدا أن ظهر الفنان بمثل هذا التورط حيث دخل بلحمه وحضوره في حرب ضد عصره. الحمض النووي لقبيلة حرب والسلاله E بتفرع بعيد عن الأحباش والزنوج فوق 1500عام - YouTube. سوف يكون المثل المرعب عن هذه الحدة هو المسعى الجمالي للحركيين في فيينا الذين يمثلهم غونتر بروس وهيرمان نيتش وأونومول. من هؤلاء من جدع أو بتر أجزاء من جسده، ومنهم من انتحر، في محاولة منهم للتكفير عن الأدى الذي ألحقته النازية بالجنس البشري. في مواجهة عنف القرن، وضع هؤلاء الفنانون التشكيليون أعز ما عندهم في المحك، أعني أجسادهم، لوحاتهم. صدم هذا المسعى الكثير من الناس. كثيرون هم الذين أعتقدوا أن الأمر لم يعد يتعلق بفن بل بانحراف شاذ، قريب من الشدو-مازوشية. من الآن فصاعدا غدا الجسد لوحة وغدت الحركة البشرية ريشة. إن استعمال الجسد في الفن التشكيلي أدى إلى إنجاز أعمال مقلقة ومزعجة؛ أعمال صدمت الجمهور وورطته كليا بالرغم من أنفه. فن تجلية وتعرية الأجساد، عمليات البتر الممارسة على اللحم، كل ذلك شكل لغة متميزة تعود إلى الوظيفة الأولى الأساسية للفن؛ ألا وهي الدخول في عمق الواقع للكشف عن حقيقته الدفينة وعدم الاكتفاء بتوصيفه؛ أي زعزعة اللعبة المهيأة، القائمة على المواصفات الثقافية التي تخفي الدواليب الداخلية لحياتنا.
حرب الطعام والنعمة المهدورة - هوامير البورصة السعودية
في الواقع، ليست ليست أعمالهم مرضية ولا منحرفة.. بالعكس، في تنشد قصيدة الحياة اللامتوقعة، الكهربائية، المعاصرة، الأصلية والكونية. إذا استطعنا للحظة نسيان أحكامنا المسبقة ومخاوفنا وتقاليدنا الثقافية، نستوعب بسرعة القوة البدائية، الجوهرية، الطبيعية التي تنبجس من هذه الشخصيات. أما المفارقة الثانية، المثيرة كذلك، فهي أن هذه الأعمال الوحشية، الداعرة، التي تمزج الدم بالألم بالبراز، تقيم ممرا حقيقيا نحو المقدس. مرة أخرى، تذكرنا هذه الأعمال بطقوس وقرابين تعود إلى زمن عريق في القدم. لا يتعلق الأمر هذه المرة بتقديم القرابين إما إلى إله صنم أو إلى أرواح الأرض. حرب الطعام والنعمة المهدورة - هوامير البورصة السعودية. يبدو القربان هنا موجها نحو خفقانه الخاص وانشطاره الذاتي، كما لو أن الدم والألم والجرح عناصر تكشف عن الإله الذي يوجد فينا، عن سحر الحياة. لقد دخلنا إذن إلى حلقة مقدسة، نحن نخاف عادة مما نشاهده لأننا نحس لاشعوريا بأننا نشاهد مليا شيئا محرما، نشاهد سرا، نستعرض فجأة هذه الشخصيات والتجليات ما نحس بنبضه في دواخلنا. إنه سر الإبداع. في اشمئزازنا، هنا أيضا وعي بالتجديف، بالنظرة التي تذهب بعيدا، برمشة عين رأت ما لم تكن رؤيته مباحة. يظهر هؤلاء الفنانون كصناع حكماء، ككائنات واقعة بين الأرض والسماء، كمهرجين سماويين في اتصال مع حقيقة عليا يعرفون كيف يتفاوضون معها.. بالطبع، هناك بعد مسيحي في أعمال الألم هاته.. ليس هؤلاء الفنانون سوى ضحايا عملهم ورسالتهم الفنية.
الحمض النووي لقبيلة حرب والسلاله E بتفرع بعيد عن الأحباش والزنوج فوق 1500عام - Youtube
يتضمن الفن عنفا حادا. يحضر الدم والعنف والموت في أعمال الفنانين الكبار. فمنذ سربندات بروجيل حتى ساحرات غويا، ومن طوباويي رامبرانت الى اللحوم الشائهة لباكون، ظل العنف دائما في قلب الفن الأحمر، الصارخ، الكلي الوجود. اليوم، تخطى الفن التشكيلي مرحلة جديدة. لم يعد الفنانون المعاصرون يكتفون بتمثيل العنف، بل أصبحوا يشخصونه. إنهم يستعملون اللحم والدم كعناصر تدخل في تكوين لغتهم الفنية. يبترون أجزاء من أجسادهم تارة ويعرضون جثامين الحيوانات تارة أخرى. في الغالب الأعم، يسيل الدم بشريا كان أم حيوانيا. كيف نفسر هذه الظاهرة؟ وماذا يعني ذلك؟ هل أصيب هؤلاء الفنانون بالجنون؟ لأجل الإجابة عن هذه الأسئلة سوف نقوم سويا برحلة إلى عوالمهم. سوف تكون تلك رحلة صادمة ومثيرة وأخاذة. قي الواقع، تفسر مزايداتهم وعنفهم وتصلبهم بمشوار فني طويل يعود إلى بداية القرن الماضي حيث كان الإصرار على إيجاد أدوات أخرى وعلى التعبير بطريقة أكثر قوة وعنفا وأصالة. وكان الانطباعيون قد استبدلوا توصيف المشاهد بالتعبير عن أحاسيسهم الذاتية وانفعالاتهم الشخصية. كانت تلك طريقة في استثمار ذواتهم بشكل أعمق لإنجاز أعمالهم الفنية وفي تكسير المسافة الفاصلة بين الفنان ولوحته.
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة)، و الموجودة أسفل كل مشاركة. رسالة إدارية
لقد حددت الموضوع خاطئ. إذا إتبعت رابط صحيح, الرجاء راسل الإدارة. الساعة الآن 06:27
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية