وأما عطف { وإليه النشور} فهو تتميم وزيادة عبر استطرون لمناسبة ذكر الأرض فإنها مثوى الناس بعد الموت. والمعنى: إليه النشور منها ، وذلك يقتضي حذفاً ، أي وفيها تعودون. وتعريف { النشور} تعريف الجنس فيعم أي كل نشور ، ومنه نشور المخاطبين فكان قوله: { وإليه النشور} بمنزلة التذييل. هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا. والقصر المستفاد من تعريف جزأي { هو الذي جعل لكم الأرض} قصر قلب بتنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد أن الأصنام خلقت الأرض لأن اعتقادهم إلهيتها يقتضي إلزامهم بهذا الظن الفاسد وإن لم يقولوه. وتقديم المجرور في جملة { وإليه النشور} للاهتمام. ومناسبة ذكر النشور هو ذكر خلق الأرض فإن البعث يكون من الأرض.
- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً | معرفة الله | علم وعَمل
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً | معرفة الله | علم وعَمل
وبعد هذا الترغيب والتشويق يستعرض تعالى اُسلوب التهديد والإنذار فيقول سبحانه:
( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور). نعم، إنّ الباريء تعالى إذا أمر أو أراد فإنّ هذه الأرض الذلول الهادئة تكون في حالة هيجان وطغيان كدابة جموح، تبدأ بالزلازل، وتتشقّق وتدفنكم وبيوتكم ومدنكم تحت ترابها وحجرها، وتبقى راجفة مضطربة مزمجرة بعد أن تقضي عليكم وعلى مساكنكم التي متّعتم فيها برهة من الزمن. جملة (فإذا هي تمور) يمكن أن تكون إشارة إلى قدرة الله سبحانه على أن يأمر الأرض أن تبتلعكم، وتنقلكم باستمرار ـ وأنتم في داخلها ـ من مكان إلى آخر بحيث أنّ الهدوء لا يشملكم حتّى وأنتم في قبوركم. هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً | معرفة الله | علم وعَمل. وهكذا تفقد الأرض إستقرارها وهدوءها إلى الأبد، وتسيطر الزلازل عليها، وهذا الأمر سهل الإدراك والتصوّر للذين عاشوا في المناطق الزلزالية، وشاهدوا كيف أنّ الزلازل تستمر عدّة أيّام أحياناً وتبقى الأرض غير مستقرّة وتسلب من سكّان تلك المناطق لذّة النوم والأكل والراحة، غير أنّ تصوّر هذا الأمر بالنسبة إلى عامّة الناس الذين ألّفوا هدوء الأرض أمر صعب. التعبير بـ (من في السماء) إشارة إلى ذات الله المقدّسة، ولمّا كانت حاكميته على أبدية.
وأنا لا أريد اليوم أن أتحدث معكم عن سيرة هذا الصحابي ، ولكن أريد أن أقف معكم اليوم قليلا مع مقولة هذا الصحابي الجليل: حين قال لأخيه (دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ)، فالمال هو احد المصالح الضرورية ، وهو عصب وقوام الحياة ، ولهذا قيل: (من يملك قوته ، يملك قراره). والمال قد يكون نعمة ،وقد يكون فتنة مضرة ، وذلك بحسب مصادره ،ومقاصده والأنبياء عليهم السلام لم يستنكفوا عن أعمال الزراعة ، أو رعي الأغنام ، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم قَالَ:« مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ ». فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » وقيل قد كان نوح نجارا ،وداود حدادا ، وإدريس حائكا وقال صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ» رواه أحمد ، فالسعي إلى طلب الرزق ،وكسب المعاش لتحصيل المال والرزق الحلال يسهم في صحة وسلامة دين المسلم ، وفي حفظ كرامته وتحصيل الحياة الكريمة له ولأسرته، كما يسهم المال كذلك في قوة وعزة الإسلام والمسلمين، حيث لا يخفى ان عوامل القوة: كالجيش والامن ، والصحة ،والتعليم ، والإعلام ، لا تستغني بحال عن قوة الاقتصاد والمال.