كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم وبين كتابيهما وشريعتيهما لأن كتابيهما أفضل الكتب وشريعتيهما أكمل الشرائع ونبوتيهما أعلى النبوات وأتباعهما أكثر المؤمنين، ولهذا قال هنا: ( وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) الذي هو التوراة ( وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) يهتدون به في ظلمات الجهل إلى العلم بالحق. ( أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا) أي: وقلنا لهم ذلك وأنزلنا إليهم الكتاب لذلك ليعبدوا الله وحده وينيبوا إليه ويتخذوه وحده وكيلا ومدبرا لهم في أمر دينهم ودنياهم ولا يتعلقوا بغيره من المخلوقين الذين لا يملكون شيئا ولا ينفعونهم بشيء. سورة الإسراء تفسير السعدي الآية 58. ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) أي: يا ذرية من مننا عليهم وحملناهم مع نوح، ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام بقيامه بشكر الله واتصافه بذلك والحث لذريته أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه، وأن يتذكروا نعمة الله عليهم إذ أبقاهم واستخلفهم في الأرض وأغرق غيرهم. ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ) أي: تقدمنا وعهدنا إليهم وأخبرناهم في كتابهم أنهم لا بد أن يقع منهم إفساد في الأرض مرتين بعمل المعاصي والبطر لنعم الله والعلو في الأرض والتكبر فيها وأنه إذا وقع واحدة منهما سلط الله عليهم الأعداء وانتقم منهم وهذا تحذير لهم وإنذار لعلهم يرجعون فيتذكرون.
- إسلام ويب - تفسير السعدي - تفسير سورة الإسراء- الجزء رقم4
- سورة الإسراء تفسير السعدي الآية 58
- قل متاع الدنيا قليل
إسلام ويب - تفسير السعدي - تفسير سورة الإسراء- الجزء رقم4
تفسير السعدي تفسير الصفحة 287 من المصحف
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ( 50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا ( 51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا ( 52). ولهذا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المنكرين للبعث استبعادا: ( قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ) أي: يعظم ( فِي صُدُورِكُمْ) لتسلموا بذلك على زعمكم من أن تنالكم قدرة الله أو تنفذ فيكم مشيئته، فإنكم غير معجزي الله في أي حالة تكونون وعلى أي وصف تتحولون، وليس لكم في أنفسكم تدبير في حالة الحياة وبعد الممات. إسلام ويب - تفسير السعدي - تفسير سورة الإسراء- الجزء رقم4. فدعوا التدبير والتصريف لمن هو على كل شيء قدير وبكل شيء محيط. ( فَسَيَقُولُونَ) حين تقيم عليهم الحجة في البعث: ( مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فكما فطركم ولم تكونوا شيئا مذكورا فإنه سيعيدكم خلقا جديدا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ( فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ) أي: يهزونها إنكارا وتعجبا مما قلت، ( وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ) أي: متى وقت البعث الذي تزعمه على قولك؟ لا إقرار منهم لأصل البعث بل ذلك سفه منهم وتعجيز.
سورة الإسراء تفسير السعدي الآية 58
ويرى إخلاص الدين لله الواحد الأحد الكامل المنعم بجميع النعم الظاهرة والباطنة هو السفه والأمر المتعجب منه كما قال المشركون: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ثم أخبر أيضا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه فقال: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) من الأنبياء والصالحين والملائكة ( يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) أي: يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته، ويخافون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل إلى العذاب. ( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) أي: هو الذي ينبغي شدة الحذر منه والتوقي من أسبابه. وهذه الأمور الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده هي الأصل والمادة في كل خير. فمن تمت له تمت له أموره وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور. وعلامة المحبة ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله والنصح فيها وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها، فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب.
( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ) أي: المرة الآخرة التي تفسدون فيها في الأرض سلطنا عليكم الأعداء. ( لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) بانتصارهم عليكم وسبيكم وليدخلوا المسجد الحرام كما دخلوه أول مرة، والمراد بالمسجد مسجد بيت المقدس. ( وَلِيُتَبِّرُوا) أي: يخربوا ويدمروا ( مَا عَلَوْا) عليه ( تَتْبِيرًا) فيخربوا بيوتكم ومساجدكم وحروثكم.
[تفسير الرازي 32: 21]. ويلاحظ على الرواية:
1- فخر الدين الرازي توفي سنة 606 هـ، ولم يذكر المصدر الذي أخذ منه الرواية. 2- الصدّيقة الزهراء عليها السلام لم تدرك زمن خلافة عمر بن الخطاب. قل متاع الدنيا قليل – بيست ون. 3- نؤمن بالعجز عن إحاطتنا بمكارم أخلاق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، لكن لم يظهر من السؤال أنه طلب الإحاطة التامة، فلاحظ (أخبرني عن أخلاق رسولكم)، (صف لي متاع الدنيا، حتى أصف لك أخلاقه) ويوجد العديد من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام والصحابة في وصف أخلاق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بما تيسر. والحمد لله رب العالمين
28 / 6 / 1438 هـ
الشيخ مرتضى الباشا
قل متاع الدنيا قليل
وفيها: وعد لأهل الإيمان المعرضون عن الدنيا بالمقابل. وفيها: تسلية لأهل الحق مما حرموه من الدنيا، وتسلية لمن كانوا في الدنيا في فقر وشدة، وهي تصبرهم على تلك الشدة. وفيها: بيان أن المؤمن والكافر يستويان في أن الدنيا متاع قليل لهما يتمتعان بها؛ فإذا ما صاروا إلى الآخرة؛ كان ما عند الله خير للمؤمنين منهم [9]. وفيها: أن الأمور بالخواتيم. وفيها: أن الدنيا وما عليها ليست دليلاً على فضل من أعطيت له، وسيقت إليه، وفي الحديث: ((إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب)) [10]. وفيها: دليل على أن أقل القليل من الجنة خير من الدنيا، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وقرأ: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185])) [11]. فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا وإياكم جنته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [1] فتح الباري (11/232). قل متاع الدنيا قليل. [2] أخرجه مسلم رقم: (2858). [3] حديث صحيح بمجموع طرقه، فقد جاء عن: سهل بن سعد، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، انظر: الصحيحة (2/305) رقم: (686)، (3/659) رقم: (943).
الدنيا تنطوِي وتنقَضِي وتنتَهِي، ونعيمُ الآخرة أبديٌّ سرمديٌّ. الدنيا متاعٌ قصيرٌ حقيرٌ مصيرُه الزوالُ والفناء، والجنةُ نعيمٌ دائمٌ لا آخرَ له ولا انقِضاء. وعن المُستورِد بن شدَّاد - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " واللهِ ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه في اليمِّ، فلينظُر أحدُكم بمَ ترجِع " (أخرجه مسلم). الدنيا كالماء الذي علِقَ بإصبَعِ غامِسِها في البحر الزخَّار، والآخرةُ هي سائرُ البحر الخِضَمِّ الذي طغَت أمواجُه، وعلا هِياجُه. أفلا يعقِلُ حقيقةَ الدنيا من يُقدِّمُ نزْرَها وقليلَها الذي ينفَد على خطيرِ الآخرة وحظِّها الأسعَد؟! عجِبتُ لمُعجَبٍ بنعـيمِ دُنيا *** ومغبونٍ بأيامٍ لِذاذِ
ومُؤثِرٍ المُقامَ بأرضِ قَفرٍ *** على بلدٍ خَصيـبٍ ذِي رَذَاذِ
ودُنياكَ التي غـرَّتْكَ فيها *** زخارِفُها تصيرُ إلى انجِذاذِ
يا عبدَ الله.. يا عبدَ الله! هَبْ الدنيا في يدَيك، ومثلُها قد ضُمَّ إليك.. فماذا يبقَى منها عند الموتِ لدَيك؟! القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة التوبة - الآية 38. ألا يا ساكِنَ البيتِ الـمُوشَّى *** ستسكِنك المنيةُ بطنَ رَمسِي
رأيـتُك تذكرُ الدنيا كثيـرًا *** وكثرةُ ذِكرِها للقلبِ تُقسِي
كأنَّك لا ترى بالخلقِ نقصٍ *** وأنت تراه كلَّ شُروقِ شمسِي
وما أدري وإن أمَّلتُ رُشدًا *** لعلّي حين أُصبحُ لستُ أُمسِي
يا عبدَ الله!