الشيخ: يعني علم ذلك مُشاهدةً، فكل مؤمنٍ يعلم هذا يقينًا بخبر الصَّادق: أنَّ الله يُحيي الأرضَ بعد موتها، ويُحيي العظامَ وهي رميم، ويُحيي الناسَ يوم القيامة، وهذا الرجل الذي مرَّ على القرية -عُزير أو غيره- شاهد ذلك عيانًا. وَقَرَأَ آخَرُونَ: (قَالَ اعْلَمْ) عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُ بالعلم، والله أعلم. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 259. الشيخ: المشهورة الأولى: أعلم. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260]. الشيخ: فيما يقصّه الله علينا في كتابه العظيم العِبر والذّكرى لمن كان له قلبٌ، لا من جهة إحياء الموتى، ولا من جهة إقامة الحجّة على عباده..... ما فيه السَّعادة والنَّجاة من الأعمال والأقوال ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.....
- موقع هدى القرآن الإلكتروني
- القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 259
- عرض وقفة أسرار بلاغية | تدارس القرآن الكريم
- الجزء الثالث من القران مكتوب بخط كبير
- الجزء الثالث من القران الكريم
موقع هدى القرآن الإلكتروني
وقد دارت الآيات السابقة- التي استعرضت الحوار بين إبراهيم (عليه السلام)والنمرود- حول التوحيد ومعرفة الله. أمّا هذه الآية والآيات التالية فتدور حول المعاد والحياة بعد الموت. عرض وقفة أسرار بلاغية | تدارس القرآن الكريم. نبدأ بشرح
الحكاية بصورة مجملة ثمّ نباشر بالتفسير. الآية تشير إلى حكاية رجل سافر على حماره ومعه طعام وشراب، فمرّ بقرية قد تهدّمت وتحوّلت إلى أنقاض تتخلّلها عظام أهاليها النخرة. وإذ رأى هذا المشهد المروع قال: كيف يقدر الله على إحياء هؤلاء الأموات؟
لم يكن تسأوله بالطبع من باب الشكّ والإنكار، بل كان من باب التعجّب، إذ أنّ القرائن الأُخرى في الآية تدلّ على أنّه كان أحد الأنبياء، وقد تحدّث إليه الله، كما أنّ الأحاديث تؤيّد هذا كما سيأتي. عند ذلك أماته الله مدة مائة سنة، ثمّ أحياه مرّة اُخرى وسأله: كم تظنّ أنّك بقيت في هذه الصحراء؟ فقال وهو يحسب أنّه بقي سويعات: يوماً أو أقل، فخاطبه الله بقوله: بل بقيت هنا مائة سنة، انظر كيف أنّ طعامك وشرابك طوال هذه المدّة لم يصبه أي تغيّر بإذن الله. ولكن لكي تؤمن بأنك قد أمضيت مائة سنة كاملة هنا انظر إلى حمارك الذي تلاشى ولم يبق منه شيء بموجب نواميس الطبيعة، بخلاف طعامك وشرابك، ثمّ انظر كيف إنّنا نجمع أعضاءه ونحييه مرّة اُخرى.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 259
والمقصود: أن رحمته -تبارك وتعالى- بعباده واسعة، ومن ذلك: ما أظهره الله لهذا الرجل في هذه الآيات العجيبة، وهذا يدل على كمال قدرة الله الذي إذا أراد شيئًا، فإنما يقول له: كن فيكون، فالعبد بحاجة إلى لجأٍ إلى الله، وتوكل عليه، وحُسن ظن به، وثقة به، فهو القادر على أن يرفع ما بالعبد من بلاء وشدة، وهو القادر على نصره وإعانته، وشفائه، ورزقه وزوال المكاره عنه.
عرض وقفة أسرار بلاغية | تدارس القرآن الكريم
فأراد الله رحمته ورحمة الناس ، حيث أماته الله مئة عام، وكان معه حمار فأماته معه، ومعه طعام وشراب ، فأبقاهما الله بحالهما كل هذه المدد الطويلة، فلما مضت الأعوام المائة، بعثه الله ، فقال: ( كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ؛ وذلك بحسب ما ظنه، فقال الله: ( بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ)، والظاهر أن هذه المجاوبة على يد بعض الأنبياء الكرام. ومن تمام رحمة الله به وبالناس ، أنه أراه الآية عياناً، ليقتنع بها، فبعد ما عرف أنه ميت قد أحياه الله، قيل له: ( فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) ، أي: لم يتغير في هذه الـمُدَد الطويلة، وذلك من آيات قدرة الله، فإن الطعام والشراب - خصوصاً ما ذكره المفسرون: أنه فاكهة وعصير- لا يلبث أن يتغير، وهذا قد حفظه الله، مئة عام، وقيل له: (ْ انْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)، فإذا هو قد تمزق وتفرق، وصار عظاماً نخرة. ( وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا)، أي: نرفع بعضها إلى بعض، ونصل بعضها ببعض، بعدما تفرقت وتمزقت، ( ثُمَّ نَكْسُوهَا) بعد الالتئام ( لَحْمًا)، ثم نعيد فيه الحياة. موقع هدى القرآن الإلكتروني. ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) رأيَ عين لا يقبل الريب بوجه من الوجوه، ( قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وأقول: قد ثبت في هذا الزمان أن من الناس من تحفظ حياته زمنا طويلا يكون فيه فاقد الحس والشعور ، ويعبرون عن ذلك بالسبات وهو النوم المستغرق الذي سماه الله وفاة ، وقد كتب إلى مجلة المقتطف سائل يقول: إنه قرأ في بعض التقاويم أن امرأة نامت 5500 يوما أي بلياليها من غير أن تستيقظ ساعة ما في خلال هذه المدة ، وسأل هل هذا صحيح ؟ فأجابه أصحاب المجلة بأنهم شاهدوا شابا نام نحو شهر من الزمان ثم أصيب بدخل في عقله ، وقرءوا عن أناس ناموا نوما طويلا أكثره أربعة أشهر ونصف ، واستبعدوا أن ينام إنسان مدة 5500 يوما أي أكثر من 15 سنة نوما متواليا. وقالوا: إنهم لا يكادون يصدقون ذلك. نعم إن الأمر غير مألوف ، ولكن القادر على حفظ الإنسان أربعة أشهر ونصف ، و 15 سنة قادر على حفظه مائة سنة ، وإن لم نهتد إلى سنته في ذلك ، فلبث الرجل الذي ضرب على سمعه - هنا مثلا - مائة غير محال في نظر العقل ، ولا يشترط عندنا [ ص: 43] في التسليم بما تواتر به النص من آيات الله - تعالى - ، وأخذها على ظاهرها إلا أن تكون من الممكنات دون المستحيلات ، وإنما ذكرنا ما وصل إليه علم بعض الناس من هذا السبات الطويل الذي لم يعهده أكثرهم لأجل تقريب إمكان هذه الآية من أذهان الذين يعسر عليهم التمييز بين ما يستبعد لأنه غير مألوف ، وما هو محال لا يقبل الثبوت لذاته.
فاعترف بقدرة الله على كل شيء ، وصار آية للناس، لأنهم قد عرفوا موته وموت حماره، وعرفوا قضيته، ثم شاهدوا هذه الآية الكبرى، هذا هو الصواب في هذا الرجل. وأما قول كثير من المفسرين: أن هذا الرجل، مؤمن أو نبي من الأنبياء ، إما عزير أو غيره، وأن قوله: ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) ،يعني: كيف تعمر هذه القرية بعد أن كانت خراباً، وأن الله أماته، ليريه ما يعيد لهذه القرية من عمارتها بالخلق، وأنها عمرت في هذه المدة، وتراجع الناس إليها، وصارت عامرة ، بعد أن كانت دامرة- فهذا لا يدل عليه اللفظ، بل ينافيه، ولا يدل عليه المعنى. فأي آية وبرهان، برجوع البلدان الدامرة إلى العمارة، وهذه لم تزل تشاهد تعمر قرى ومساكن، وتخرب أخرى، وإنما الآية العظيمة في إحيائه بعد موته ، وإحياء حماره ، وإبقاء طعامه وشرابه، لم يتعفن ولم يتغير. ثم قوله: ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) صريح في أنه لم يتبين له إلا بعدما شاهد هذه الحال الدالة على كمال قدرته عيانا. تفسير الآية (260)
للمزيد: تفسير الشعراوي 1. 2 تجويد سورة البقرة
[1] سميت القرية قرية: لاجتماع الناس فيها، مأخوذ من قريت الماء إذا جمعته، وهي في القرآن، المدينة الكبيرة، والمراد بها هنا بيت المقدس، وقد خربها الطاغية بختنصر ثم بعد سبعين سنة أعيد بناؤها كما كانت.
فهذا إنْ كان لا يُسمَّى شركًا فليس في الدنيا شرك، وإنْ جعلت هذه من الاستعانة الجائزة الشرعيَّة، فهذا من الخلط المفسِد، بل هو تحريفٌ للكلم عن مواضعه.
الجزء الثالث من القران مكتوب بخط كبير
وفي إجماع أهل الإسلام جميعًا على تصويب قول القائل: "اللهم إنَّا نستعينك" وتخطئتهم قول القائل: "اللهم لا تجر علينا" دليلٌ واضحٌ على خطأ ما قال الذين وصفتُ قولَهم. [1] "مجلة الإصلاح"، العدد الثالث - 30/3/1347هـ. [2] انظر: الطبري في "تفسيره" 1 /65، من طريق الضحَّاك عن ابن عباس، ولم يسمَعِ التفسير منه على ما قالَه غيرُ واحدٍ؛ كشعبة وأبي حاتم وأبي زرعة وابن أبي حاتم... الحاوي فى تفسير القرآن الكريم كاملًا - الجزء: 744 صفحة: 3. وغيرهم. [3] "تفسير ابن كثير" 1 /26. [4] أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394). [5] أخرجه مسلم (395). [6] "تفسير الطبري" 1 /70.
الجزء الثالث من القران الكريم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الكتاب:الحَاوِى فى تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ
ويُسَمَّى ( جَنَّةُ الْمُشْتَاقِ فى تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمَلِكِ الْخَلَّاقِ)
العاجز الفقير
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد القماش
إمام وخطيب بدولة الإمارات العربية
عفا الله عنه وغفر له
الجزء الرابع والأربعون بعد السبعمائة
حقوق النسخ والطبع والنشر مسموح بها لكل مسلم
﴿يا قوم لا أسألكم عليه أجرا﴾
﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ الإعانة قسمان: ظاهريَّة ومعنويَّة، فالحسيَّة ما تكون بما يُدرَك ويُشاهَد بإحدى الحواس؛ كإعانة الناس بعضهم بعضًا، وفيما يثقل حمله ويعييهم أمره، فيشهَدُون من بعضهم هذه المعونة، أو بجاهِهِم، وكل أمرٍ محسوس، فهذه الاستعانةُ الظاهريَّة، وهي أمر لا بُدَّ من تبادُلِه بين الناس فيما ليس فيه معصية لله تعالى؛ قال - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]. أمَّا الإعانة المعنويَّة فهي: ما تكون بأسبابٍ غير مُشاهَدٍ مصدرُها، وهذه لا تكون إلا ممَّن يكون عنده من القُدرة العظيمة والرَّحمة الواسعة ما يُؤهِّله لها؛ ولذلك فلا تُطلَب إلا من الله - جلَّ شأنُه - لأنَّه هو الذي له القُدرة ما به يُعطِي العبد من القوَّة التي تُعِينُه على عمله، وله الرحمة الواسعة التي بها يتفضَّل على عبده بهذه المعونة، فالمعونة على شِفاء الأمراض تكونُ بالطبيب بتشخيص المرض ووَصْفِ العلاج ظاهريَّةً، وعلى تحقيق الشفاء ورفع الداء بذلك الدواء أو بغيره، وهذه معنويَّة حقيقيَّة. فالأولى: جاء الشرع بطلبها ممَّن يقدر عليها. تفسير القرآن العظيم - الجزء الثالث by ابن كثير. والثانية جاء الشرع ببيان أنَّ طلبها من غير الله - تعالى - شرك؛ لأنَّ ذلك اعتقادٌ بأنَّ غير الله - تعالى - له من القُدرة والرحمة ما لا يصحُّ أنْ يكون إلاَّ لربِّ العالمين الرحمن الرحيم.