ثم قال جل وعلا لعباده المؤمنين: ﴿ فَلَا تَهِنُوا ﴾؛ أي: لا تضعفوا عن الأعداء، ﴿ وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ ﴾؛ أي: المُهادنة والمسالمة، ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم؛ ولهذا قال ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾؛ أي: في حال علوِّكم على عدوكم، فأما إذا كان الكفارُ فيهم قوة وكثرةٌ بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأى الإمامُ في المهادنة والمعاهدة مصلحةً، فله أن يفعلَ ذلك، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدَّه كفارُ قريش عن مكة ودعَوه إلى الصلح، ووضع الحربَ بينهم وبينه عشر سنين، فأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك. حديث (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) - الإسلام سؤال وجواب. وقوله جلَّت عظمته: ﴿ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفَر على الأعداء، ﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35]؛ أي: لن يحبطَها ويبطلَها ويسلبكم إيَّاها، بل يوفيكم ثوابها ولا ينقصكم منها شيئًا، والله أعلم [1]. [1] مختصر تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى - الصابوني ج 3 ص 338. مرحباً بالضيف
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المائدة - الآية 92
فأهل العلم العدول من أولي الأمر، والحكام من أولي الأمر، وأولو الأمر أيضاً هم الذين يُطلق عليهم في الأدبيات السياسية الإسلامية (أهل الحل والعقد). وقد قال ابن القيم في هذا الصدد: "والتحقيق أن الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم؛ فطاعتهم تَبَع لطاعة العلماء؛ فإن الطاعة إنما تكون في المعروف، وما أوجبه العلم، فكما أن طاعة العلماء تَبَع لطاعة الرسول، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء. ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس كلهم لهم تبعاً، كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين، وفساده بفسادهما، كما قال بعض السلف: صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس، قيل: من هم؟ قال: الملوك، والعلماء".
حديث (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) - الإسلام سؤال وجواب
وفيه أنواع نذكر منها:
قياس الأَوْلى: سُمِّي بالأَوْلى؛ لأن الفرع (المقيس) يكون في حكمه أولى من المقيس عليه، فمثلًا مسألة دفع الوالدين لم يأتِ دليلٌ خاصٌّ يُبيِّن تحريمها؛ أي: تحريم الدفع، فدفعهما في هذه الحالة مقيس، والتأفيف عليهما مقيس عليه، جاء دليل خاص في بيان تحريمه: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾ [الإسراء: 23]؛ وعليه فإن دفع الوالدين فرع ومقيس غير منصوص عليه، والتأفيف على الوالدين أصل ومقيس عليه منصوص عليه، والعلة الجامعة بينهما العقوق، أما الحكم: فهو تحريم الدفع كما حُرِّم التأفيف. وقد سُمِّي هذا بقياس الأَوْلى؛ لأن الدفع أولى في التحريم من قول "أُف"؛ لذلك سمَّاه أهل العلم كذلك، بمعنى أن حكم المقيس أولى من حكم المقيس عليه. ومن أنواعه كذلك: القياس المساوي: وهو تساوي حكم المقيس والمقيس عليه؛ كقياس إتلاف مال اليتيم على أكله، فلا يوجد دليل خاص من الكتاب والسنة يُحرِّم إتلاف مال اليتيم، وقد أنزل تعالى آيةً يُحرم فيها أكل مال اليتيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، وقد قاس العلماء إتلاف الأموال على أكلها، والإتلاف يتساوى مع الأكل.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنفال - الآية 46
أخرجاه. وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من خلع يدا من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ". القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنفال - الآية 46. وروى مسلم أيضا ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة ، والناس حوله مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء فتن يرفق بعضها بعضا ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ".
الحمد لله.
رواه مسلم من فوائد الآية: 1ـ وجوب طاعة الله - عز وجل - وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 2ـ طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تجب استقلالاً. 3ـ وجوب طاعة ولاة المسلمين من حكام وأمراء. 4ـ طاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا. 5ـ وجوب رد المتنازع فيه عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة. 6ـ العاقبة الحميدة والمآل الحسن في ذلك الرد. ----- 1- تفسير ابن كثير 1/445 2- تيسير الكريم الرحمن /148 3- مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/232 4- مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/232
(p-١٩٨)﴿لا خَيْرَ في كَثِيرٍ مِن نَجْواهم إلّا مَن أمَرَ بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾.
الباحث القرآني
أو تكون في موضع نصب على قول من قال: ما مررت بأحد إلا زيدا. وقال بعض المفسرين منهم الزجاج: النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الاثنين كان ذلك سرا أو جهرا ، وفيه بعد. والله أعلم. والمعروف لفظ يعم أعمال البر كلها. وقال مقاتل: المعروف هنا الفرض ، والأول أصح. وقال صلى الله عليه وسلم: كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق. وقال صلى الله عليه وسلم: المعروف كاسمه وأول من يدخل الجنة يوم القيامة المعروف وأهله. الباحث القرآني. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره ، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً, أو يقول خيراً», وقالت لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: في الحرب والإصلاح بين الناس, وحديث الرجل امرأته, وحديث المرأة زوجها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام, والصلاة, والصدقة ؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «إصلاح ذات البين», قال: «وفساد ذات البين هي الحالقة». ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبي معاوية, وقال الترمذي: حسن صحيح. لا خير في كثير من نجواهم إسلام ويب. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عبد الرحيم, حدثنا سريج بن يونس, حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر حدثنا أبي عن حميد, عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب «ألا أدلك على تجارة ؟» قال: بلى يا رسول الله. قال «تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا, وتقارب بينهم إذا تباعدوا». وقد دلت الآية على الترغيب في الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس، وقد أكد تعالى الترغيب بقوله: {عَظِيمًا} وأن النية فيها شرط لنيل الثواب، لقوله تعالى: {ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ} وعلى أن كلام الإِنسَاْن عليه لا له، إلا ما كان في هذا ونحوه.