فتأمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث: ((إن كنت تعلم أن هذا الأمر)) في الموضعين، تعلَم ما قلت لك آنفًا؛ فإنك قد تدعو الله - عز وجل - بالذي تريد فيكون وبالًا عليك وأنت لا تدري، كما أنه - عز وجل - قد يقدر لك الخير، فلا ترضى به فترفضه؛ فتحرم ذلك الخير. يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين💛. - YouTube. فهذه الكلمات والدعوات في الحقيقة جمعت خيرًا كثيرًا. ولذلك كانت هذه الكلمات والدعوات مما يدعو به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه؛ ففي سنن أبي داود رقم: (2537) عن عبدالله بن حوالة الأزدي [3] - رضي الله عنه - قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنغنم على أقدامنا، فرجعنا فلم نغنم شيئًا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: ((اللهم لا تكلهم إليَّ فأضعُفَ عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجِزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم)). وكذا كانت هذه الكلمات والدعوات - أيضًا - هي وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة - رضي الله عنها - ولسائر المسلمين صباحَ مساءَ؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضي الله عنها: ((ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، وأصلح لي شأني كله، ولا تكِلْني إلى نفسي طرفة عين أبدًا)) [4].
يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين💛. - Youtube
انتهى
والحمد لله رب العالمين
Hits: 323
ولا تكِلْني إلى نفسي طرفة عين أبداً
الحمد لله وكفى، وسلام على عبده المصطفى، ونبيه المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد:
فإن من المعلوم المقطوع به أن المؤمن الفطِن ليس له أن يستغني عن الله - عز وجل - البتة؛ فهو دومًا يعتصم بالله، ويتعلق به، ويتوكل عليه، ويلجأ إليه، وهذا والله من أعظم علامات التوفيق لهذا المؤمن؛ لأن من فعل ذلك وداوم عليه توكل الله - عز وجل - بحفظه وكلاءته وهدايته وإرشاده وتوفيقه وتسديده، أينما حل أو ارتحل، والعكس صحيح؛ فإن المخذول من خذله الله ووكله إلى نفسه، أو إلى غيره. ولذلك قال الله - عز وجل - عن يوسف - عليه السلام -: ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾ [يوسف: 33]، والمعنى كما قال العلامة النحرير ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره (2/ 581) عند هذه الآية من سورة يوسف: "أي: إن وكلتني إلى نفسي، فليس لي منها قدرة، ولا أملِك لها ضرًّا ولا نفعًا إلا بحولك وقوتك، أنت المستعان وعليك التكلان، فلا تكلني إلى نفسي". وقال الله - عز وجل - لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74]، ويروى عن قتادة [1]: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين نزلت هذه الآية قال: ((لا تكلني إلى نفسي)).
أليىست هذه الحقائق التي ثبتت الآن بيقين، هي ما أشار إليه كتاب الله الكريم بإيجازه المعجز، عندما قال جل من قائل: {وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل من الآية:15] مشيراً إلى ما خفي على الإنسان من دور ووظيفة الجبال في ثبات واستقرار الأرض التي يعيش عليها هذا الإنسان، وفي قوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ:7] مشيراً إلى الشكل الحقيقي للجبل وجذره الخفي الممتد أسفل منه. كل ذلك في كلمتين سهلتين واضحتين. ولقد أدرك العلماء المسلمون الأوائل هذه الحقائق من كتاب ربهم عندما تعرضوا لتفسير هذه الآيات الكريمة. ورد ذكر لفظ "الجبال" بصيغة الجمع في القرآن الكريم ثلاثاً وثلاثين مرة، وورد بصيغة المفرد ست مرات، ما يعني أهمية الجبال في حياة الكون والإنسان، وأنها آية من آيات الله المبثوثة في هذا الكون، والدالة على عظمته وقدرته سبحانه وتعالى. من آيات الله في الجبال البركانية. وقد ذكر القرآن الكريم وأشار في عدد من آيته إلى ظاهرة الجبال شكلاً ووظيفة، والتي لم يستطع الإنسان أن يصل إليها كحقيقة معروفة إلا بعد التقدم والتطور العلمي والتقني الهائل الذي حصل في القرنين الأخيرين من عمر البشرية. لقد عرف الإنسان الجبال منذ القدم، وتعامل معها، وعاش في أكنافها، واستفاد منها، ومن مكوناتها المستفادة المباشرة التي عرفها من خلال شكلها الظاهري؛ فقد عُرِّف الجبل بأنه: كل ما ارتفع عن سطح الأرض واستطال وتجاوز التل ارتفاعاً.
من آيات الله في الجبال البركانية
هذه هي الحركة الأولى للجبال والتي لم يتأكد وجودها إلا حديثاً جداً. ولكن هنالك حركة ثانية، فعندما تدور الأرض حول محورها تدور معها الجبال، وهذه الحركة يمكن رؤيتها مباشرة من الفضاء الخارجي. الآن نأتي إلى البيان الإلهي حول حركة الجبال في قول الله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. إن الله تعالى الخبير بحركة الألواح في باطن الأرض لهو خبير بأفعالنا خيرها وشرها، وعندما ندرك أن الله تعالى يعلم كل شيء في هذا الكون فلا بد أنه مطلع عليم ويعلم كل شيء عنَّا. من آيات الله في الجبال المطوية. وهنا تتجلى عظمة الإعجاز العلمي حيث انه يتخذ الحقيقة العلمية سبيلاً لمعرفة الله ومعرفة صفاته وقدرته والإيمان بأنه على كل شيء قدير. ولكن السؤال: لماذا شبه الله تعالى حركة الجبال بمرور السحاب؟ والجواب هو أن هذا التشبيه دقيق جداً، فالغيوم في السماء تتحرك حركة شبيهة بحركة الجبال فهي تتحرك بفعل الرياح حركة بطيئة وخفيفة، وتتحرك أيضاً مع الأرض ومع الغلاف الجوي أثناء دوران الأرض حول محورها. فالغيوم تتحرك بفعل قوى الضغط التي تولدها الرياح، والجبال تتحرك بفعل قوى الضغط التي تولدها حرارة باطن الأرض.
من آيات الله في الجبال المنفرده
ومع هذا الوصف السابق، نجد الجبال أنها تتحرك لقوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِيَ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ إِنّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [سورة: النمل - الأية: 88] فلقد ثبت العلم التجريبى أن الجبال تتحرك بفعل تيارات الحمل convection current المؤثرة على الألواح التكتونية المكونة للقشرة الأرضية، فتلك التيارات النقل أما أن تسبب تباعد الألواح Divergent أو تصادمها Convergent أو إنزلاقها Transform Fault. فلقد تكونت جبال الهمالايا نتيجة لتصادم اللوح الهندى باللوح الاسيوى أما جبال الإنديز فلقد تكونت نتيجة لتصادم اللوح المحيطى الهادى باللوح القارى الأمريكى (جنوب أمريكا)، وجبال الروكى تكونت بفعل الانزلاق، أما البحر الاحمر فلقد تكون نتيجة تباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية، وكذلك المحيط الأطلنطى فلقد تكون نتيجة تباعد اللوح القارى الأفريقى عن اللوح القارى الأمريكى.... وهكذا تتحرك الجبال.
ثم تأمل معي هذه الآية الكريمة التي تحدثت عن مدّ الأرض وحركتها وكيف أُلقيت الجبال نتيجة حركة الألواح، يقول تعالى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) [ق: 7]. فالآية تتحدث عن مدّ الأرض أي حركتها وهذا ما حدث فعلاً، والرجل عندما يمدّ يده يعني أنه يحركها لتمتد، إذن معنى قوله تعالى (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا) أي حركناها حركة بطيئة. وكان من نتائج هذه الحركة لقشرة أو لقشور الأرض هو اصطدام هذه القشور وإلقاء ما بداخل الأرض للأعلى لتتشكل الجبال، لذلك يقول تعالى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ). لقد كشفت البحوث الجيولوجية الحديثة أن الجبال هي كالوتد المغروس في الأرض. آيات الله في الجبال. والذي قاد هذا الكشف هو وجود جذر للجبل داخل الأرض. فعند رسم مخطط لهذا الجبل نراه كالوتد منه جزء بارز على الأرض هو الجبل، والجزء الأكبر في عمق الأرض. وقد درس الباحثون سرّ تكون الجبال والهدف منها وما هي فائدتها، فتبين أن الجبال تمثل مثبتات للأرض خلال رحلة دورانها. فالأرض تدور بسرعة كبيرة تتجاوز الـ 1600 كيلومتراً في الساعة. وعند هذه السرعة يختل توازن الأرض لولا هذه الجبال التي هي بمثابة موازنات لهذه الكرة الدوارة!