المستشرق يوري روبين
أما المستشرقة الفرنسية "دنيز ماسون" [1] Denise Masson فادعت أن تفنيد القرآن الكريم لقضية صلب المسيح دليل على التناغم الفكري بين النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- وبين الفرقة الغنوصية [2] التي تزعم أنه تأثر بمعتقداتهم، وهو قول رد عليه المستشرقون أنفسهم الذين نفوا أي وجود لأي فكر غنوصي في الجزيرة العربية، مثل المستشرق "أرشيبالد روبرتسون" Archibald Robertson الذي قال: "لا يوجد أي دليل قطعي على رواج المعتقدات الغنوصية في الجزيرة العربية إبان القرن السابع الميلادي" أي وقت نزول القرآن الكريم. والحقيقة أن الوحي هو المُنشأ للحقائق الغيبية في الإسلام، وتأكيد القرآن على عدم صلب المسيح أو قتل هو انعكاس لحقيقة ثابتة. حديث شريف عن الحياء. وقد حاول بعض المستشرقين مثل: البلجيكي "هنري جريجوار" Henri Grégoire و "جيه. بومان" J. Bouman القول بأن حديث القرآن عن الصلب هو حل توفيقي بين الفرق المسيحية حول طبيعة المسيح، غير أن التاريخ يدحض تلك الافتراءات، لأن تاريخ الصلب ذاته لا يمكن اثباته حتى في المسيحية.
- حديث شريف عن الحياء
- طاووس بن كيسان
حديث شريف عن الحياء
قال المناوي: "( أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز، وأوضح بيان، إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح، وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله، والله مطلع على جميع أفعال خلقه، فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، فيالها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها" [انظر فيض القدير (3/ 74)]. ولقد كان الرعيل الأول أشد الناس حياءً من الله تعالى حتى تعدى حياؤهم لشيء لابد لهم منه ففي صحيح البخاري سئل ابن عباس عن قول الله تعالى: ﴿ أَلا إِنَّهُمْ يثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [هود: 5] فقال: " أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم" ويفضوا إلى السماء أي ليس هناك ما يحجبهم من سقف ونحوه. وكان أبو بكر الصديق يقول: "استحيوا من الله فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياءً من ربي".
أما النوع الثاني من الحياء فهو مكتسب ، ناتجا عن معرفة الله وقدره ، واقتراب الله عز وجل من عباده ، واطلاعه على أمورهم ، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهو أعلى خصال الإيمان ، بل أعلى مراتب الإحسان. وقد ينتج الحياء من الله عز وجل عند الإطلاع على نعمه وإدراك التقصير في شكرها ، فإذا لم يبق الحياء المكتسب والغريزي ، لن يجد ما يمنعه ممارسة الأخلاق الدنيئة وارتكاب القبيح منها ، فيصبح بلا إيمان ، و قد روي من مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( الحياء حياءان: طرف من الإيمان والآخر عجز).
فقال هشام بن عبد الملك آتوني برجل من التابعين إذاً، فجيء بالتابعي طاووس بن كيسان رضي الله عنه، فعندما أتى إلى هشام بن عبد الملك ودخل إليه قام حينها بخلع نعليه وهذا بحاشية بساطه، وسلَّم طاووس على هشام من غير أن يقول له أمير المؤمنين. طاووس بن كيسان. أي أنَّه قد خاطبه باسمه وابتعد عن تكنيته، كما وأنَّ طاووس قد جلس قبل أن يُؤذن له من قبل الخليفة هشام بالجلوس، فستشاط الخليفة هشام بن عبدالملك غضباً، ويُقال بأنَّ الغيظ اتضح بعينيه؛ وهذا بسبب التصرفات التي قام بها التابعي طاووس بن كيسان التي رأى فيها أنَّه قد اجترأ منه وكذلك نال من هيبته وهذا أمام رجال حاشيته والجُلساء حينها، بيد أنَّه لم يبقَ فترة إلّا أنَّه قد تذكَّر بأنَّه في بيت الله الحرام. فرجع الخليفة هشام بن عبدالملك إلى ذاته وقال لطاووس بن كيسان حينها:" ما حملك يا طاووس على ما صنعت؟"، فردَّ طاووس عليه وقال له: "وما الذي صنعته؟". فعاود الغضب والغيظ إلى الخليفة هشام بن عبدالملك وقال لطاووس حينها: "خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلِّم عليَّ بإمرة المؤمنين، وسميتني باسمي، ولم تكنني، ثم جلست من غير اذني". فردَّ طاووس بن كيسان عليه وقال له بكل هدوء: "أما خلع نعلي بحاشية بساطك، فأنا أخلعهما بين يدي ربِّ العزَّة كل يوم خمس مرَّات، فلا يعاتبني ولا يغضب علي، وأمَّا قولك بأنّي لم أُسلِّم عليك بإمرة المؤمنين؛ فلأنَّ جميع المؤمنين ليسوا راضين بإمرتك، وقد خشيت أن أكون كاذباً إذا دعوتك بأمير المؤمنين، وأمَّا ما أخذته عليّ من أني ناديتك باسمك، ولم أكنك، فإنَّ الله عزَّ وجل نادى أنبياءه بأسمائهم فقال: ياداوود يا يحيى يا عيسى، وكنّى أعداءه فقال: تبت يدا أي لهب وتب".
طاووس بن كيسان
وقال له طاووس بمعنى كلامه بالنسبة إلى أنَّني قد جلست من غير أن تأذن لي بالجلوس فإنَّني قد سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين يقول: "أذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام بين يديه"، وقال له بأنَّه قد كره بأن يكون هشام ذلك الرجل الذي قد اعتبر من أهل النار. فطأطأ الخليفة هشام بن عبدالملك رأسه وأنزله إلى الأرض خجلاً مما سمع، ثم عمد الخليفة برفع رأسه وقال له: "عظني يا أبا عبدالرحمن"، فردَّ عليه طاووس بن كيسان: "إنّي سمعت علي بن أبي طالب يقول: إنَّ في جهنم حيّات كالقلال وعقارب كالبغال، تلدغ كلَّ راعٍ لا يعدل في رعيته". حيث أنَّ التابعي الجليل طاووس بن كيسان رضي الله عنه يأتي إلى الأمراء وولاة الأمر؛ وهذا حتى يعمد إلى تذكيرهم وتوجيهاً لهم، حيث يُذكر بأنَّه كان يُعرض عن بعضهم؛ وهذا تبكيتاً وتأنيباً لهم.
فقال له: عظني قال: إني سمعت أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول: إن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال، تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته ثم قام وخرج. أثر طاوس بن كيسان في الآخرين
قالت امرأة ماجنة: ما بقي أحد إلا فتنته ما خلا طاوس، فإني تعرضت له فقال: إذا كان وقت كذا فتعالي فجئت ذلك الوقت فذهب بي إلى المسجد الحرام، فقال: اضطجعي فقلت: هاهنا! فقال: الذي يرانا هنا يرانا هناك. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا قط مثل طاوس، لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه طاوس: إن أردت أن يكون عملك خيرًا كله فاستعمل أهل الخير فقال عمر: كفى بها موعظة..
من ملامح شخصية طاوس بن كيسان
كان من عباد أهل اليمن ومن فقهائهم ومن سادات التابعين، وعن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال: صلى وهب بن منبه وطاوس اليماني الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة، وكان طاوس يصلي في غداة باردة مغيمة فمر به محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف وأيوب وهو ساجد في موكبه فأمر بساج وطيلسان مرتفع فطرح عليه، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته، فلما سلم نظر فإذا الساج عليه فانتفض ولم ينظر إليه ومضى إلى منزله. ولم يترك صلاته وعبادته حتى في مرض موته، ويروي عبد الواحد بن زياد عن ليث قال رأيت طاوسًا في مرضه الذي مات فيه يصلي على فراشه قائمًا ويسجد عليه.