ويقول سبحانه وتعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38]. فمن كانت كذلك صنعته وقدرته كان أحق بالعبادة ممن سواه ، وكان أحق أن يتبع شرعه، لذلك أخوتي أدعوكم وأدعو نفسي إلى التأمل في خلق الله تعالى تأمل عقل واعي يريد الحقيقة فيتبعها. قال الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164].
- معني كلمة بديع السموات والارض
- بديع السموات والارض وإذا قضي
- اية قرانية عن التسامح
معني كلمة بديع السموات والارض
والآية تشير إلى المدة التي تم فيها الخلق واستقر على صورته النهائية دون الإضافات المرادة من قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون… والأرض فرشناها فنعم الماهدون) الذاريات 47- 48. وهذا هو المعنى المراد من الخلق أي ضم الأجزاء بعضها إلى بعض حتى تصل إلى مرحلة الإيجاد التي أطلق عليها سبحانه مصطلح الأمر وبهذا يظهر سبب عطفه على الخلق، وقد يتجلى هذا المعنى بأبهى صورة في خلق الإنسان نظراً للمراحل المتعددة التي يمر بها حتى يصل إلى مرحلة نفخ الروح، وقد بين سبحانه هذه المراحل بقوله: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين… ثم جعلناه نطفة في قرار مكين… ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) المؤمنون 12- 14. ومجموع الآيات يبين أن الخلق المادي انتقل إلى مرحلة الإنشاء التي تدل على وصول الإنسان من الخلق إلى الأمر المتمثل بنفخ الروح، وكما ترى فإن الخلق لا يتطابق مع الأمر في المراحل الأولى دون النتيجة التي أظهرت القدرة على الإيجاد المصاحب للشعور، وهذا نظير قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران 59.
بديع السموات والارض وإذا قضي
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليمقوله تعالى بديع السماوات والأرض أي مبدعهما; فكيف يجوز أن يكون له ولد. وبديع خبر ابتداء مضمر أي هو بديع. وأجاز الكسائي خفضه على النعت لله عز وجل ، ونصبه بمعنى بديعا السماوات والأرض. وذا خطأ عند البصريين لأنه لما مضى أنى يكون له ولد أي من أين يكون له ولد. وولد كل شيء شبيهه ، ولا شبيه له. ولم تكن له صاحبة أي زوجة. وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم عموم معناه الخصوص; أي خلق العالم. ولا يدخل في ذلك كلامه ولا غيره من صفات ذاته. ومثله ورحمتي وسعت كل شيء ولم تسع إبليس ولا من مات كافرا. بديع السموات و الارض ياسر الدوسري. ومثله تدمر كل شيء ولم تدمر السماوات والأرض. ﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله الذي جعل هؤلاء الكفرة به له الجنَّ شركاءَ، وخرقوا له بنين وبنات بغير علم=" بديع السماوات والأرض "، يعني: مبتدعها ومحدثها وموجدها بعد أن لم تكن ، (59) كما:-13693- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " بديع السماوات والأرض "، قال: هو الذي ابتدع خلقهما جل جلاله، فخلقهما ولم يكونا شيئًا قبله.
* * *=" أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة "، والولد إنما يكون من الذكر والأنثى, ولا ينبغي أن يكون لله سبحانه صاحبة، فيكون له ولد. وذلك أنه هو الذي خلق كل شيء. يقول: فإذا كان لا شيء إلا اللهُ خلقه, فأنّى يكون لله ولد، ولم تكن له صاحبة فيكون له منها ولد ؟القول في تأويل قوله: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله خلق كل شيء، ولا خالق سواه. بديع السموات والارض - الطير الأبابيل. وكلُّ ما تدَّعون أيها العادلون بالله الأوثان من دونه، خلقُه وعبيده, مِلكًا، كان الذي تدعونه ربًّا وتزعمون أنه له ولد، أو جنيًّا أو إنسيًّا=" وهو بكل شيء عليم "، يقول: والله الذي خلق كل شيء, لا يخفى عليه ما خلق ولا شيء منه, ولا يعزب عنه مثقالُ ذرة في الأرض ولا في السماء, عالم بعددكم وأعمالكم، وأعمال من دعوتموه ربًّا أو لله ولدًا, وهو محصيها عليكم وعليهم، حتى يجازي كلا بعمله. (60)* * *--------------الهوامش:(59) انظر تفسير (( بديع)) فيما سلف 2: 540. (60) انظر تفسير (( عليم)) فيما سلف من فهارس اللغة ( علم)
فقد كان ممَّن قال الله فيهم: ﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37]. ومن ذك: التسامح في الحوار، فقد حثَّت الشريعة الغرَّاء على التسامح في الحوار، ورغَّبت في التَّنازل عند الاختلاف، وحذَّرت من الوقوع في مغبَّة الجدل، فتعهَّد النبي صلى الله عليه وسلم - وهو لا ينطق عن الهوى - ببيتٍ في الجنة لمَنْ تنازل، وتركَ المِراءَ والجِدال، فقال: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا» حسن - رواه أبو داود. ومن الأخلاق العظيمة: التسامح في إنظار المُعسر، أو التجاوز عنه، وفيه أجر عظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» رواه البخاري. اية قرانية عن التسامح والعفو. وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ؛ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» رواه مسلم. وقال أيضاً: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» رواه مسلم.
اية قرانية عن التسامح
[سورة النساء، الآية: 149]. عن ابن عباس رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اسمح يُسمح لك).
فالمسلم الحق لا يُلجئ أخاه إلى ما لا يُطيق، ولْيُخاطبْه بالقول الحَسَن، وحتى في المُرافعات يكون عدلاً سمحاً في أخلاقه، فحَلُّ المشاكل بالطرق المُيسَّرة السمحة خيراً من حلِّها بالأمور التي تُقسِّي القلوب، وتُعظم الفجْوَة بين الأصحاب والأصدقاء. ومن السماحة: السماحةُ في الإجارة، فعلى المُسلم أن يكون سمحاً في قضاء حقِّ الأجير، فلا يُماطل بالأجير ولا يظلِمه، وليكن سمحاً مُتسامحاً في دفع الأُجرة إلى صاحبها من غير ضررٍ وأذىً يلحقه. ايه من القران عن التسامح. والتسامح مطلوب في جميع المعاملات العامة بين الناس، وفي التعامل الاجتماعي مع المسلمين، بالعفوِ عمَّن أساء، وصِلَةِ مَنْ قَطَع، وإعطاءِ مَنْ مَنَع، قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35]. أخي الكريم.. إنَّ الحِلمَ عن الجاهل، والعفوَ عن السَّفيه، وتحمُّل الأذى؛ يُكسبك خُلُقاً كريماً، ومكانةً ساميةً في المجتمع، يقول الله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا ﴾ [الفرقان: 63].