والثاني: الأمة بحد ذاتها هدفاً مرصوداً من قِبل الباطل وأهله
فطبيعة وأهداف الأمة المسلمة يجعلها بحد ذاتها هدفاً مرصوداً من قِبل الباطل وأهله، والتدافع بين الحق والباطل من سنن هذه الحياة، فحتى لو الأمة المسلمة في حالة القوة، فلا بد أن يكون هناك نوعاً من التدافع والتحدي، فما بالنا إن ضعفت الأمة المسلمة وتحولت إلى غثاء السيل والعياذ بالله، ولذا حذرها القرآن الكريم من الغفلة عن إعداد القوة، وأمرها بالاجتماع على كلمة سواء، والاعتصام بحبل الله المتين، وعدم التنازع، وإن وقع التنازع حرّم الاحتراب الداخلي، وأمر بالتعاون على البر والتقوى. ولا يتصور أحد حالة التداعي إلا في حالة "القلة" فقال قائل: "أمن قلة؟" فكان الجواب: "لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل! غثاء السيل.. معجزة نبوية. " وهذا التعبير هو فريد ودقيق ومُعبر. "غثاء السيل" كثرة لا قيمة لها، يجري بها التيار العارم ويأخذها حيث شاء، فلا قيمة لها، ولا إرادة قيادية في حركتها، بل همل كثير، قد يضر أكثر مما ينفع، يمضي بلامبالاة حيثما يصطدم السيل بنهايته. Embed from Getty Images
وهو وصف اجتماعي لحالة من تفسخ الأمة، وتحول الكثرة إلى مجرد أكوام اجتماعية ليس لها رابط يجمعها، ولا هوية توحدها، ولا غاية تصل إليها، بل حيث يأخذها السيل تمضي، فبذلك تفقد الأمة فاعليتها، وريادتها، وتموت الروح التي تسري فيها.
ذَمُّ الوَهَن والنَّهي عنه فى السنة - موسوعة الأخلاق - الدرر السنية
لقد استغرب الصحابة حينما حدثهم -صلى الله عليه وسلم- بهذا، وأن الأمم ستجتمع عليهم، وتناوئهم، وتغلبهم على أمرهم، ما بال الأمة؟ أَمِن قلة يحصل لها هذا؟! كيف وهي أكثر الأمم عدداً، وأقواهم عدة ومدداً، كيف وهي خير أمة أخرجت للناس، هل يصل وضع الأمة في مستقبل أيامها إلى هذا الوضع المخزي، والواقع المزري؟. لكنه -صلى الله عليه وسلم- أجاب على هذا التساؤل بكلمات جامعة، مانعة، فيها جوامع الكلم، وفيها التنبيه والتحذير من مغبة ما يصل إليه وضع الأمة إذا هي تخلت عن منهجها الرباني، وابتعدت عن دستورها القرآني، ودبَّ فيها داء الأمم (الوهن): حب الدنيا، وكراهية الموت. إنكم لستم من قِلَّةٍ تُغلَبون على أمركم، بل أنتم كثير، لكنكم لا أثَرَ لكم في هذا العالم، وأنتم جموع مجمعة، كالزبد الطافح على الماء، الذي يراه الرائي يحسبه ماءً، وسرعان ما يتلاشى، ولا يكون شيئاً! ذَمُّ الوَهَن والنَّهي عنه فى السنة - موسوعة الأخلاق - الدرر السنية. ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد:17]. فانظر -رعاك الله- إلى هذا التصوير الرائع في هذا المثال، وكيف أنه -صلى الله عليه وسلم- نبَّه إلى أن الكثرة لا تغني شيئاً إذا فقدت مُقوماتها، وتخلت عن مبادئها، فالأمة بهذا الوضع غثاءٌ كغثاء السيل.
غثاء السيل.. معجزة نبوية
فكيف علم النبي الكريم أنه على الرغم من كثرة أعداد المسلمين إلا أنه ليس لهم أي هيبة بين الدول؟! ألا تشهد هذه العبارة على أن الله تعالى هو الذي أخبره بذلك؟
ثم يشرّح لنا واقعنا ويحلل تحليلاً علمياً دقيقاً حل أسباب هذه الظاهرة التي نعيشها اليوم أن سبب ضعف المسلمين واجتماع الأمم عليهم هو: (حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ).. وبالفعل أصبح المسلمون حريصون على التمتع بهذه الدنيا ولا تكاد تجد من ذكر الموت أو الآخرة ولا تكاد تجد من يستعد للحظة الموت ولقاء الله!!
حديث : غثاء كغثاء السيل
وصحَّح إسناده ابن تيمية في ((بيان الدليل)) (109)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3462). قال المناويُّ شارحًا هذا الحديث: (... ((إذا تبايعتم بالعينة)) أن يبيع سلعةً بثمن لأجَل ثمَّ يشتريها منه بأقلَّ منه. ((وأخذتم أذناب البقر)) كناية عن الاشتغال بالحرث. ((ورضيتم بالزَّرع)) أي: بكونه همَّتكم ونهمتكم. ((وتركتم الجهاد)) أي: غزو أعداء الدِّين. ((سلَّط الله عليكم ذلًّا)) ضعفًا واستهانةً. ((لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) أي: إلى الاهتمام بأمور دينكم، جعل ذلك بمنزلة الرِّدَّة والخروج عن الدِّين لمزيد الزَّجر والتَّهويل) [7542] ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (1/84). انظر أيضا:
أولًا: ذَمُّ الوَهَن والنَّهي عنه في القرآن الكريم.
وحُسنُ رعاية النعم باب من أوسع الأبواب لشكر من أنعم بها، وبالشكر تدوم النعم. لم تنجح أوربا في الاستيلاء على الأمم ، إلا بعد نجاحها في الاستيلاء على الوقت وحسن استعماله في زيادة قواها، وبعد نجاحها في امتلاك مواهب أبنائها وحسن استعمالها في زيادة قواها، وبعد نجاحها في الكشف عن بعض الحقائق المكنونة في سرائر الطبيعة وحسن استعمالها في زيادة قواها. شبابنا يَعْمرون المقاهي والبارات ، ويطيرون وراء النساء في الشوارع؛ وشبابهم يَعْمرون الأساطيل والثكنات والمصانع ودور الكتب ومخابر الكيمياء، ويطيرون إلى شواطئ بحر الغزال ومزارع ارتيريا وجبال همالايا وأودية كنيا وجزائر اندونوسيا وأعماق الكونغو. علماؤنا يختمون العلم بعد أخذ شهادة العالمية وفي كل مائة عالم منا لا نكاد نجد عالمًا واحدًا اقتنى في منزله الكتب الستة في الحديث وعلماؤهم يضعون المعجم المفهرس لكتب السنَّة المحمدية، ويؤلفون دائرة المعارف الإسلامية، ويحاولون أن يعرفوا بواطن المسلمين بعد معرفتهم ظواهرهم ليعينوا حكوماتهم على إحكام العقدة واكمال مهمة الاستيلاء. كتب أحد حملة العالمية من رجالنا سؤالا وجهه إلى الصحفي العجوز في الأهرام يوم الخميس الماضي يسأله عن البعثة التي قيل أن الحكومة المصرية تريد إرسالها إلى الصين وعن البعثة التي قيل أنها سترسل إلى الحبشة، وهل الحكومة هي التي ستدفع المرتبات لأعضاء البعثتين أم تدفعها بلاد الصين والحبشة، ثم سأله أن ينشر في الأهرام معلومات جغرافية وتاريخية عن تلك البلاد.