كانَتِ النطفةُ بيضَاءَ رقيقَةً فَجَعَلَ اللهُ عز وجل عِظامًا شديدَةً قويَّةً لِبُنْيَانِ الجَسَدِ، كَالأَسَاسِ لِلبُنْيَانِ وَكَالدَّعائِمِ لَهُ، فَتَفَكَّرْ في هَذَا ثم قُلْ سُبْحانَ الخَلاقِ. انظُرْ إِلى العِظَامِ كيفَ جَعَلَ اللهُ بينَها غَضَارِيفَ تَمْنَعُ عنهَا التَّآكُلَ، ولَوْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ تعالَى هَذَا لَتَآكَلَتْ وَتَأَلَّمْتَ أَلَمًا شَدِيدًا. وانْظُرْ كيفَ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ عز وجل العِظَامَ عَظْمًا واحِدًا وإِلا لَتَعَسَّرَتْ علَيْكَ الحرَكَةُ وشَقَّ عليكَ الانْتِقَالُ. ثمَّ بعدَ ذلكَ كَسَا اللهُ عز وجلّ العِظَامَ لَحْمًا فَسَدَّ الخَلَلَ بذَلِكَ ( أَيْ مَا بينَ العِظَام) واعتَدَلَتِ الهيئَةُ وحَسُنَ الْمَنْظَرُ فَضْلا مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ وكرَمًا. ثُمَّ لَوْ بَقِيَ اللحمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْسَى بِالْجِلْدِ لَهَلَكْتَ بِحَسَبِ العَادَة. لكنَّ اللهَ عز وجل بفَضْلِهِ وَمَنِّهِ كَسَا اللحمَ جِلْدًا حِمَايَةً لهُ وَوِقَايَةً وَزِينَةً وَحُسْنَ مَنْظَر. الدليل على وجود ه. ثُمَّ جَعَلَ اللهُ فِي الجِلْدِ شَعَرًا يَنْبُتُ وَظُفْرًا يَكْسُو رُؤُوسَ الأَصابِعِ وَيَحْمِيها. لَمَّا كُنْتَ تَحْتَاجُ لاستِعْمَالِ رُؤوسِ أصابِعِكَ جَعلَ اللهُ عليهَا أَظْفَارًا تَحْمِيهَا مِنَ الضَّرَر.
الدليل العقلي على وجود الله
وحادثة أخرى تتحدث عن طائرة تتهاوى بركابها ، فتتعالى أصوات الإيمان منهم وقد كانوا من قبل أهل إلحاد وكفر ، وقد سجل الله هذه الظاهرة في كتابه الكريم في أكثر من آية،منها قوله تعالى: { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا} (الاسراء:67). فهذا هو دليل الفطرة وهو من القوة والمكانة بحيث لا يستطيع أن يدفعه دافع أو ينازع فيه من منازع. وثمة دليل آخر لا يقل قوة وأهمية عن دليل الفطرة وهو ما أسماه أهل العلم بدليل الحدوث ، ومفاد هذا الدليل أنه لابد لكل مخلوق من خالق ، وهذه حقيقة يسلم بها كل ذي عقل سليم ، فهذا الأعرابي عندما سئل عن وجود الله قال بفطرته السليمة: البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، ألا تدل على العزيز الخبير. ما هو الدَّليل المُقنع على وجود الله وعلى أن محمدًا رسولٌ حقًّا من عند الله - فقه. فلله ما أحسنه من استدلال وما أعجبه من منطق وبيان. ومن الأمثلة الأخرى التي تدل على هذه الحقيقة ما روي من أن أحد العلماء طلب منه بعض الملاحدة أن يناظره في وجود الله سبحانه ، وحددوا لذلك موعدا ، فتأخر العالم عنهم وكان تأخره عن قصد ، فلما جاءهم وسألوه عن سبب تأخره قال: لقد حال بيني وبين مجيء إليكم نهر ، ولم أجد ما ينقلني إليكم ، غير أن الأمر لم يطل حتى أتت سفينة ، وهي تمشي من غير أن يقودها قائد ، أو يتحكم فيها متحكم ، فصاح به الملاحدة ماذا تقول يا رجل ؟!!
وهكذا أسّس ديكارت مذهبه الفكريّ على مبدأ اليقينيّات العقليّه الواضحة والمتميّزة، التي تؤدّي إلى القول بأنّ حقيقة باقي الأفكار مرتبطة أساساً بحقيقة هذه الفكرة؛ فكرة الله الكاملة، وأنّه مصدر أفكارنا، وما دام العقل يصل إلى تمييز ذلك بما لا يقبل الشّكّ، أمكن الآن الاطمئنان إلى العقل، وتصديق أحكامه في كلّ ما يبدو أمامه واضحاً ومتميّزاً. هكذا إذاً كان الله ضمان اليقين، وبدونه لا يستقيم استدلال أو يقين عقلي. أدلّة ديكارت على وجود الله. وتتلخّص فكرة ديكارت عن وجود الله، بأنّ كلاً من المؤمن والكافر والشّاكّ، يقيم إيمانه أو كفره أو شكّه على رأي صادر عن عقله وفكره، ومادمت أفكّر، إذاً أنا موجود، وإذا كنت موجوداً، فإمّا أن أكون أوجدت نفسي، أو أوجدني غيري. فإذا كنت أنا الّذي أوجدت نفسي، فانّ فيّ عيوباً ونقائص لا بدّ من تلافيها كي أصل إلى الكمال، ولكني رغم شوقي إلى الكمال، فاني لا أستطيع تحقيقه، ومادمت لا أستطيع تحقيقه، فأنا عاجز. ومادمت عاجزاً عن تحقيق الكمال لنفسي من باب أولى، فإنني أشدّ عجزاً عن خلقي لنفسي. وإذاً فقد خلقني غيري، وهذا الغير لا بدّ من أن يكون أكمل مني، لأن النّاقص لا يخلق ما هو أكمل منه، ولا يمكن أيضاً أن يكون مماثلاً لي، فلم يبق إذاً إلا المطلق، وهو الواحد الخالق الأحد.