ومنهم من تتعلق به امرأته وولده ويقولون له: أنشدك بالله ألا تخرج فنضيع بعدك ، فمنهم من يرق فيدع الهجرة ويقيم معهم ، فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان. يقول: إن اختاروا الإقامة على الكفر بمكة على الإيمان بالله والهجرة إلى المدينة. ومن يتولهم منكم بعد نزول الآية فأولئك هم الظالمون ثم نزل في الذين تخلفوا ولم يهاجروا: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وهي الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد كعقد العشرة فما زاد ، ومنه المعاشرة وهي الاجتماع على الشيء. وأموال اقترفتموها يقول: اكتسبتموها بمكة. تفسير: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها و. وأصل الاقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره. وتجارة تخشون كسادها قال ابن المبارك: هي البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبا. قال الشاعر: كسدن من الفقر في قومهن وقد زادهن مقامي كسودا ومساكن ترضونها يقول: ومنازل تعجبكم الإقامة فيها أحب إليكم من الله ورسوله من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة. و ( أحب) خبر كان. ويجوز في غير القرآن رفع " أحب " على الابتداء والخبر ، واسم كان مضمر فيها. وأنشد سيبويه: إذا مت كان الناس صنفان: شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع وأنشد: هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله ، ولا خلاف في ذلك بين الأمة ، وأن ذلك مقدم على كل محبوب.
- إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة براءة - قوله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم - الجزء رقم4
- تفسير: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها و
- الكلمة الثانية والثلاثون: تأملات في قوله تعالى • موسوعة الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة
إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة براءة - قوله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم - الجزء رقم4
Skip to content
الرئيسية
كتاب التفسير الجامع
سورة التوبة (1-92)
الآية رقم (24) - قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
(اقْتَرَفْتُمُوهَا): أي حصلتم عليها بمشقّة، حصلتم عليها بتعبكم فتكون هذه الأموال عزيزةً عليكم أكثر من مال الميراث الّذي يأتي من غير تعب. (وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا): تجارةٌ؛ أي مالٌ مؤجّل. (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا): كلّ ما يتعلّق بما يهواه الإنسان ويحبّه من هذه الحياة الدّنيا عدّده المولى سبحانه وتعالى.
تفسير: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها و
فِي سَبِيلِهِ: متعلقان بالمصدر جهاد. فَتَرَبَّصُو ا: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، والفاء رابطة لجواب الشرط والجملة في محل جزم جواب الشرط. قل ان كان اباؤكم وابناؤكم وازواجكم. حَتَّى: حرف غاية وجر
يَأْتِيَ: مضارع منصوب بأن المضمرة بعد حتى، والمصدر المؤول من حتى والفعل في محل جر بحتى، والجار والمجرور متعلقان بالفعل. اللَّهِ: لفظ الجلالة فاعل. بِأَمْرِهِ: متعلقان بيأتي. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ: سبق إعراب مثلها. وَعَشِيرَتُكُمْ: أقرباؤكم ذوو القرابة القريبة
اقْتَرَفْتُمُوها: اكتسبتموها
كَسادَها: عدم رواجها أو عدم نفادها، وبوارها
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ: أي أحب إليكم من طاعة الله وطاعة رسوله ومن المجاهدة في سبيل الله فقعدتم لأجله عن الهجرة والجهاد
فَتَرَبَّصُوا: انتظروا
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ: تهديد لهم، والأمر: العقوبة العاجلة أو الآجلة.
الكلمة الثانية والثلاثون: تأملات في قوله تعالى &Bull; موسوعة الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة
[1] تيسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي ص 309 بتصرف. [2] صحيح البخاري برقم 6632. [3] برقم 15 وصحيح مسلم برقم 44. [4] برقم 16 وصحيح مسلم برقم 43. [5] برقم 3462 وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1 / 42) برقم 11. [6] برقم 1910. [7] برقم 2811. [8] برقم 2787 وصحيح مسلم 1876 مختصراً آخره.
روى البخاري في صحيحه من حديث زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام رضي اللهُ عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: «الْآنَ يَا عُمَرُ» (¬2). وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس ابن مالك رضي اللهُ عنه، قال رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (¬3). ومن فوائد الآية الكريمة:
أولاً: أن محبة الله ورسوله دليل على كمال الإيمان، وحسن الإسلام، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (¬4).
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (¬8). الكلمة الثانية والثلاثون: تأملات في قوله تعالى • موسوعة الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة. سابعاً: أن فيها الترغيب في الجهاد والزهد في الدنيا، فإن الأهل والعشيرة والأموال والتجارات والمساكن، إنما هي متاع الدنيا الزائل، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب (14)} [آل عمران: 14]. وقال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون (170)} [آل عمران: 169 - 170]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.