الصيام في السفر
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أأصوم في السفر؟- وكان كثير الصيام- فقال: (( إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)) متفق عليه [1].
أحوال الصيام في السفر - Youtube
ولهذا قال الخطابي رحمه الله:
هَذَا كَلَام خَرَجَ عَلَى سَبَب فَهُوَ مَقْصُور عَلَى مَنْ كَانَ فِي مِثْل حَاله كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرّ أَنْ
يَصُوم الْمُسَافِر إِذَا كَانَ الصَّوْم يُؤَدِّيه إِلَى مِثْل هَذِهِ الْحَال, بِدَلِيلِ صِيَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَره
عَام الْفَتْح اهـ من عون المعبود
والله أعلم.
ودفع بعضهم التعارض بين الأحاديث السابقة بالنسخ، وقالوا: إن أحاديث الصوم في السفر منسوخة، فقد أفطر النبي -صلى الله عليه وسلم- في فتح مكة، وهو آخر ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الزهري: وإنما يؤخذ بالآخرة فالآخرة من أمره -صلى الله عليه و سلم-. معنى حديث : ( ليس من البر الصوم في السفر) - الإسلام سؤال وجواب. ولم يوافقه أهل العلم على القول بالنسخ؛ لأن الجمع بين الأحاديث متيسر، ولا يصار إلى النسخ ما دام الجمع ممكناً. وذهب جمهور أهل العلم إلى الجمع بين الأحاديث السابقة، بتخصيص المنع من الصوم في السفر في حق من بلغ به الجهد ما بلغ بالرجل الذي أغمي عليه من شدة الحر والتعب، ومن لم يشق عليه الصوم كما هو الحال في بعض رحلات الطيران القريبة، لا يحس الصائم فيها بجهد ولا تعب، فالصوم في حقه أفضل، وهو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي. ويدخل فيمن يكون صومه ليس من البر: من أعرض عن قبول الرخصة رغبةً عنها، ومن لو صام فرَّط بما هو أوجب من الصيام كالمجاهد والحاج، ومن يخاف على نفسه الرياء وعجب الطاعة فقد روى الطبري عن ا بن عمر رضي الله عنهما قال: إذا سافرت فلا تصم؛ فإنك إن تصم قال أصحابك: اكفوا الصائم، ارفعوا للصائم، وقاموا بأمرك: وقالوا: فلان صائم فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك.
شرح حديث: ليس من البر الصيام في السفر
فوصف من صام مع
المشقة الشديدة بالعصاة، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نقلاً عن موقع الآلوكة. 13
3
154, 951
وقال ابنُ عبد البَرِّ: (واختلفوا في مدَّة الإقامة؛ فقال مالكٌ، والشافعيُّ، والليثُ، والطبريُّ، وأبو ثور: إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وهو قول سعيد بن المسيَّب- في رواية عطاء الخراساني عنه) ((التمهيد)) (11/181). شرح حديث: ليس من البر الصيام في السفر. وقال ابنُ قدامة: (وعنه أنَّه إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وإن نوى دونها قَصَر، وهذا قولُ مالك، والشافعيِّ، وأبي ثور؛ لأنَّ الثلاث حدُّ القِلَّة) ((المغني)) (2/212). ، واختارَه الطبريُّ ((التمهيد)) لابن عبد البر (11/181). الدَّليل منَ السُّنَّة: عن العلاءِ بنِ الحَضرميِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُقيمُ المُهاجِرُ بمكَّةَ بعد قضاءِ نُسُكِه ثلاثًا)) رواه البخاري (3933) بنحوه، ومسلم (1352) واللفظ له. وجهُ الدَّلالة: أنَّ المُهاجِرينَ حُرِّمَتْ عليهم الإقامةُ بمكَّةَ قبل فَتحِها، فلمَّا صارت دارَ إسلامٍ، تحرَّجَ المسلمونَ مِن الإقامةِ فيها؛ ليكونوا على هِجرَتِهم، وكانوا لا يَدخُلونَها إلَّا لِقَضاءِ نُسُكٍ، فلما أذِنَ لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الإقامةِ فيها ثلاثةَ أيَّامٍ؛ دلَّ ذلك على أنَّها في حُكمِ السَّفَرِ، وما زاد على الثَّلاثِ فهو في حُكمِ الإقامةِ (( البيان)) للعمراني (2/474).
معنى حديث : ( ليس من البر الصوم في السفر) - الإسلام سؤال وجواب
فمن كان مثل هذا فالأولى له أن يفطر. أما الأخ السائل، فيريد أن يصوم، ويتحمل مشقة الصوم في السفر، خصوصا في هذه الأيام الباردة، فأنصحه بأن يصوم، ولا يفطر، فيكون عليه عدة من أيام أخر، وقد لا يتيسر له إجازات طويلة يقضي فيها ما عليه من أيام أفطرها، وإن كان لا حرج عليه إن شاء الله أن يفطر برخصة السفر.......
1- متفق عليه: رواه البخاري (1946)، ومسلم (1115)، كلاهما في الصيام، كما رواه أحمد (14426)، عن جابر بن عبد الله. 2- تفسير الطبري (3/216). تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، نشر دار هجر، الطبعة الأولى، 1422هـ/ 2001م. أحوال الصيام في السفر - YouTube. 3- فتح الباري لابن حجر (4/184). 4- رواه مسلم (1121)، وأحمد (24196). 5- رواه البخاري (1948)، ومسلم (1113)، كلاهما في الصيام. 6- متفق عليه: رواه البخاري (1947)، ومسلم (1118)، كلاهما في الصيام.
ثالثًا: لأنَّ الصَّومَ أسرَعُ في إبراءِ الذِّمَّةِ؛ لأنَّ القضاءَ يتأخَّرُ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 343). رابعًا: أنَّ الصَّومَ أسهَلُ على المُكَلَّفِ غالبًا؛ لأنَّ الصَّومَ والفِطرَ مع النَّاسِ أسهَلُ مِن أن يستأنِفَ الصَّومَ بعد ذلك، كما هو مجرَّبٌ ومعروفٌ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 343). خامسًا: لأنَّ الصَّومَ عزيمةٌ، والفِطرَ رخصةٌ، ولا شَكَّ أنَّ العزيمةَ أفضَلُ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 51). القول الثاني: الفِطرُ أفضَلُ له، وهو مذهَبُ الحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/204)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/311). ليس من البر الصيام في السفر. ، وطائفةٍ من السّلَفِ قال ابنُ عبد البر: (وروي عن ابنِ عُمَرَ وابن عباس: الرُّخصة أفضَلُ، وبه قال سعيد بن المسيب، والشعبي، ومحمد بن عبد العزيز، ومجاهد وقتادة، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ كلُّ هؤلاء يقولون إنَّ الفِطرَ أفضَلُ؛ لقول الله عز وجل يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) **البقرة:185** ((التمهيد)) (2/171). ، وهو قَولُ ابنِ تَيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (والصَّحيحُ أنَّ الفِطرَ أفضَلُ إلَّا لمصلحةٍ راجحةٍ) ((مجموع الفتاوى)) (22/336).