ويستفاد من الآيتين: اولا: شمول حكم ا لعبادة لجميع المخلوقات مما في السماوات والأرض. وثانيا: ان فعله تعالى غير تدريجي، ويستدرج من هنا، ان كل موجود تدريجي فله وجه غير تدريجي، به يصدر عنه تعالى كما قال تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) يس - 82، وقال تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) القمر - 50، وتفصيل القول في هذه الحقيقة القرآنية، سيأتي إنشاء الله في ذيل قوله: (إنما أمره إذا أراد شيئا) يس - 82، فانتظر. (٢٦١)
الذهاب إلى صفحة:
««
«...
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266...
»
»»
(18) من آية 88 إلى آية 95 - مجالس في تدبر سورة مريم - أيمن الشعبان - طريق الإسلام
وغير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها ، إلا بحجة يجب التسليم لها ، لما قد بينا في كتابنا: " كتاب البيان عن أصول الأحكام ". * * * وهذا خبر من الله جل وعز عن أن المسيح - الذي زعمت النصارى أنه ابن الله - مكذبهم هو والسموات والأرض وما فيها ، إما باللسان ، وإما بالدلالة. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن جميعهم ، بطاعتهم إياه، وإقرارهم له بالعبودية ، عقيب قوله: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، فدل ذلك على صحة ما قلنا. -------------------- الهوامش: (31) انظر ما سلف 1: 474 ، 495. (32) انظر ما سلف 1: 251 ، وهذا الجزء 2: 140 ، 377 ، 506. (18) من آية 88 إلى آية 95 - مجالس في تدبر سورة مريم - أيمن الشعبان - طريق الإسلام. (33) في المطبوعة: "الأعشى بن ثعلبة" ، وهو خطأ محض.
وقال محمد بن كعب: لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة لقوله تعالى: تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا قال ابن العربي وصدق فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر ولا يرفعه إيمان المؤمن ولا يزيد هذا في ملكه ، [ ص: 80] كما لا ينقص ذلك من ملكه لما جرى شيء من هذا على الألسنة ولكنه القدوس الحكيم الحليم فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.
وقوله: هاهنا: ( كلا إنها كلمة هو قائلها): كلا حرف ردع وزجر ، أي: لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه. وقوله: ( كلا إنها كلمة هو قائلها): قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أي لا بد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم. ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا. ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله: " كلا " ، أي: لأنها كلمة ، أي: سؤاله الرجوع ليعمل صالحا هو كلام منه ، وقول لا عمل معه ، ولو رد لما عمل صالحا ، ولكان يكذب في مقالته هذه ، كما قال تعالى: ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) وقال محمد بن كعب القرظي: ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) قال: فيقول الجبار: ( كلا إنها كلمة هو قائلها). وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة: إذا سمعت الله يقول: ( كلا) فإنما يقول: كذب. وقال قتادة في قوله تعالى: ( حتى إذا جاء أحدهم الموت): قال: كان العلاء بن زياد يقول: لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت ، فاستقال ربه فأقاله ، فليعمل بطاعة الله عز وجل. وقال قتادة: والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله ، فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها ، ولا قوة إلا بالله. وعن محمد بن كعب القرظي نحوه.
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: " إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ فيقول: بل قدماني إلى الله ، وأما الكافر فيقال: نرجعك؟ فيقول: ( لعلي أعمل صالحا فيما تركت). " الآية. قال ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت. [ ص: 70] حدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) يعني أهل الشرك ، وقيل: رب ارجعون ، فابتدأ الكلام بخطاب الله تعالى ، ثم قيل: ارجعون فصار إلى خطاب الجماعة ، والله تعالى ذكره واحد. وإنما فعل ذلك كذلك; لأن مسألة القوم الرد إلى الدنيا إنما كانت منهم للملائكة الذين يقبضون روحهم ، كما ذكر ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. وإنما ابتدئ الكلام بخطاب الله جل ثناؤه ، لأنهم استغاثوا به ، ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع والرد إلى الدنيا. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: قيل ذلك كذلك; لأنه مما جرى على وصف الله نفسه من قوله: ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) في غير مكان من القرآن ، فجرى هذا على ذلك. قوله: ( كلا) يقول تعالى ذكره: ليس الأمر على ما قال هذا المشرك ، لن يرجع إلى الدنيا ، ولن يعاد إليها ( كلا إنها كلمة هو قائلها) يقول: هذه الكلمة ، وهو قوله: ( رب ارجعون) كلمة هو قائلها يقول: هذا المشرك هو قائلها.
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 19411 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم, قَالَ: ثنا الْحُسَيْن, قَالَ: ثني حَجَّاج, عَنْ أَبِي مَعْشَر, قَالَ: كَانَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقْرَأ عَلَيْنَا: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمُ الْمَوْت قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ} قَالَ مُحَمَّد: إِلَى أَيّ شَيْء يُرِيد ؟ إِلَى أَيّ شَيْء يَرْغَب ؟ أَجَمْع الْمَال, أَوْ غَرْس الْغِرَاس, أَوْ بَنْي بُنْيَان, أَوْ شَقّ أَنْهَار ؟ ثُمَّ يَقُول: { لَعَلِّي أَعْمَل صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت} يَقُول الْجَبَّار: كَلَّا. حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. 19412 - حَدَّثَنِي يُونُس, قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب, قَالَ: قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله: { رَبّ ارْجِعُونِ} قَالَ: هَذِهِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا, أَلَا تَرَاهُ يَقُول: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمْ الْمَوْت} قَالَ: حِين تَنْقَطِع الدُّنْيَا وَيُعَايِن الْآخِرَة, قَبْل أَنْ يَذُوق الْمَوْت. 19413 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم, قَالَ: ثنا الْحُسَيْن, قَالَ: ثني حَجَّاج, عَنِ ابْن جُرَيْج, قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة: " إِذَا عَايَنَ الْمُؤْمِن الْمَلَائِكَة قَالُوا: نُرْجِعك إِلَى الدُّنْيَا ؟ فَيَقُول: إِلَى دَار الْهُمُوم وَالْأَحْزَان ؟ فَيَقُول: بَلْ قَدِّمَانِي إِلَى اللَّه.