بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمدٍ صلَّى الله عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم. غفر الله لنا ولعباده الصالحين والمسلمين أجمعين، وأصلح حال من ضلَّ عن سبيله وأصلح حالنا أجمعين، ويا ربِّ ارحمْ ابنتي يمنى وتقبّلها في الشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا. وارحم اللهمَّ من مات من أقربائي وأقاربي وجيراني وأحبتي وجميع موتى المسلمين. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة لقمان - القول في تأويل قوله تعالى " ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا "- الجزء رقم20. وبعدُ؛ فقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الأنعام. آية:155) يهدف هذا الكتاب إلى تقديم دروس الأوامر والنواهي التي كنتُ ألقيها على مسامع المصلين الكرام في بعض مساجد مدينة ميلة، ومنها مسجد الجيدة، ومسجد مبارك الميلي. وقد اشتملت الدروس على معظم الآيات التي ورد فيها ذكرُ الوصايا والأوامر والنهي والإرشاد إلى الخير والأعمال الصالحات، والتحذير من عمل الشر، وتتبع خطوات الشيطان. نسألُ اللهَ تبارك وتعالى أن ينفعَ المسلمين بهذا الكتاب، ويجعلَه خالصا لوجهه الكريم، ويتقبّل منّا أعمالنا. -الجزء الثاني-
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة لقمان - القول في تأويل قوله تعالى " ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا "- الجزء رقم20
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تُصَعِّرْ) قال: الصدود والإعراض بالوجه عن الناس. حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر بن برقان، عن يزيد في هذه الآية (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) قال: إذا كلمك الإنسان لويت وجهك، وأعرضت عنه محقرة له. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا خالد بن حيان الرقي، عن جعفر بن ميمون بن مهران، قال: هو الرجل يكلم الرجل فيلوي وجهه. حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، قال: ثنا أبو مكين، عن عكرِمة في قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) قال: لا تُعْرض بوجهك. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) يقول: لا تعرض عن الناس، يقول: أقبل على الناس بوجهك وحسن خلقك. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ) قال: تصعير الخدّ: التجبر والتكبر على الناس ومحقرتهم.
[٣١]
ثمرات حُبّ الله للعبد
تترتّب عدّة ثمراتٍ على حُبّ الله للعبد، وفيما يأتي بيان البعض منها:
نَيل التوفيق والسَّداد: فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ-: (فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ). [٣٢] [٣٣]
حفظ الله له: فقد ورد عن الصحابيّ عبدالله بن عبّاس -رضي الله عنهما-: (كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا قال يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، (رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ)). [٣٤] [٣٥]
استشعار مَحبّة ذِكْر الله: فإنّ أحبَّ الله عبدَه حَبَّب إليه ذِكْره؛ فالله يذكر عبده الذي يُحبّه، وإن ذَكَره الله، حُبِّب إليه ذِكْره، وذِكْر الله لعبده أكبر وأعظم من ذِكْر العبد له.
الثاني: توحيده جل وعلا في عبادته ، وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى " لا إله إلا الله " وهي متركبة من نفي وإثبات ، فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت. ومعنى الإثبات منها: إفراد الله جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص ، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام. وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد ، وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ 38 \ 5].
آية إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم
قَالَ « أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ أَنِ: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ». قَالَ بَلَى وَلاَ أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ « تُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الإِنْجِيلِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا ». إسلام ويب - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - سورة بني إسرائيل - قوله تعالى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم- الجزء رقم2. قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ تَقْرَأُ فِى الصَّلاَةِ ». قَالَ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الإِنْجِيلِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِى أُعْطِيتُهُ ». وفي السلسلة الصحيحة للألباني: ( أخبرنا أبو معاوية عن الهجري عن أبي الأحوص: " إن هذا القرآن مأدبة الله ، فتعلموا مأدبته ما استطعتم و إن هذا القرآن هو حبل الله وهو النور المبين و الشفاء النافع عصمة من تمسك به و نجاة من تبعه لا ، يعوج فيقوم و لا يزيغ فيستعتب و لا تنقضي عجائبه و لا يخلق عن كثرة الرد ، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات ، أما إني لا أقول بـ ( ألم) و لكن بألف عشرا وبالام عشرا وبالميم عشرا ".
ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم ويبشر
إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) يمدح تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن ، بأنه يهدي لأقوم الطرق ، وأوضح السبل ( ويبشر المؤمنين) به ( الذين يعملون الصالحات) على مقتضاه ( أن لهم أجرا كبيرا) أي: يوم القيامة.
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم
وما أكثر الأحاديث الواردة عن أئمة الهدى(ع) وعن جدّهم الأعظم(ص) في فضل تلاوة القرآن. قال رسول الله(ص):«مَن قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف». منها: ما عن الإمام الباقر(ع) ، قال:
«قال رسول الله(ص): من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر... ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم ويبشر. ». ومنها: ما عن الصادق(ع) ، قال:
«القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية». وقال:
«ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لا ينام حتّى يقرأ من القرآن فيكتب له مكان كل آية يقرأها عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيئات؟». وقال: «عليكم بتلاوة القرآن، فإنّ درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: إقرأ وأرقَ، فكلّما قرأ آية رقى درجة». وقد دلّت جملة من هذه الآثار على فضل القراءة في المصحف على القراءة عن ظهر القلب.
إن هذا القرآن يهدي التي هي أقوم
وكما فاضت فضائل القرآن ،فقد عم الشهر الذي أنزل فيه فصار أفضل الشهور، والليلة التي أنزل فيها ،فصارت أفضل الليالي، كما عم فضله أيضاً على الناس ،فصار خيرهم من تعلمه وعلمه. الدعاء
فقيل له:
يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم ؟
فقال: هو المعتصم بحبل الله
وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة
والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام
وذلك قول الله عز وجل:: إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم::معاني الأخبار: الصدوق:ص132. فهنا مقولتان وهما:مقولة الإمام يهدي إلى القرآن
ومقولة القرآن يهدي إلى الإمام. وهذا التشارك الإثنيني يكشف عن عصمة القرآن والمعصوم:ع:في آنٍ واحد. وفي هذه الآية الشريفة بشارة من الله تعالى
بأنَّ مفردات الحياة البشرية والمجتمع لابد وأن تصير إلى أفضل وأحسن مما عليه في مستقبل الزمان. وعن علاء بن سيابه عن أبي عبد الله الإمام جعفر الصادق: عليه السلام:
في معنى قول الله تعالى
{ إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ}
قال:ع: يهدي إلى الإمام::بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفّار:ص497. :الكافي:الكليني:ج1:ص216. إذ الإمام:عليه السلام: هو أصلٌ للهداية ولجميع الخيرات
وأقوم مِن كل ما يتقرب به العبد به إلى الله تعالى
فالقرآن يهدي إليه في مواضع عديدة. آية إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. والإمام المهدي:عليه السلام: مشمولٌ بعنوان الإمام المنصوب ربانيا والذي يهدي إليه القرآن الكريم
ولتوثيق صحة الخبر الذي نقله العلاء بن سيابه عن الإمام الصادق:عليه السلام: في تفسير معنى هذه الآية الشريفة
نقول إنَّ:
العلاء بن سيابة: هوكوفي: مولى ، من أصحاب الإمام الصادق: عليه السلام:
وعَدَّه البرقي أيضا من أصحاب الإمام الصادق: عليه السلام قائلا: العلاء بن سيابة: كوفي.
إنها قاعدة تقطع الطريق على جميع المنهزمين والمتخاذلين من أهل الإسلام أو المنتسبين له، أو من الزنادقة، الذين يظنون ـ لجهلهم ـ أن هذا القرآن إنما هو كتاب رقائق ومواعظ، ويعالج قضايا محدودة من الأحكام! أما القضايا الكبرى، كقضايا السياسة، والعلاقات الدولية، ونحوها، فإن القرآن ليس فيه ما يشفي في علاج هذه القضايا!!