وعندما ذكر تعليل الاختصاص والاجتباء، وسبب النجاة، لم يذكر كونه نبي من الأنبياء، أو سليل بيت النبوة، أو لشرف شخصي رفيع استدعى أن تُخلدَ ذكراه أبدَ الدهر.. كان التعليل، أنه كان من المسبحين! أُلقيَ بنبي الله يونس - عليه السلام - في البحر، وألقيَ معه أخرون كما يتضح من سياقِ الآيات، كونَ السفينة امتلأت، واشتدَّ حِملها، وكان لابدَّ من أن يُخفف عنها بإلقاءِ بعضِ الركاب، وكان نبيُّ الله يونس ممن ألقيَ به أيضاً! نحن لا نعرف كم عدد الذين ألقيَ بهم، فمنهم من التقمته الحيتان، ومنهم من غرقَ وطفت جثته على الشاطئ، ومنهم من نجى.. فلولا أنه كان من المسبحين . [ الصافات: 143]. ومع كل هذا العدد، إلا أن القرآن لم يختص بذكر واحد منهم، أهملَ ذكرهم، ولم يلتفت إلا لواحدٍ ممن ألقيَ به، وهو نبيُّ الله يونس عليه السلام، وعندما ذكر تعليل الاختصاص والاجتباء، وسبب النجاة، لم يذكر كونه نبي من الأنبياء، أو سليل بيت النبوة، أو لشرف شخصي رفيع استدعى أن تُخلدَ ذكراه أبدَ الدهر.. كان التعليل، أنه كان من المسبحين! |فلولا أنه كانَ من المسبحين، للبثَ في بطنه إلى يومِ يبعثون! |. أي: لأصبح بطن الحوت قبراً له. إذن، كان التسبيح هو الشرفُ الرفيع الذي تسبَّبَ في نجاةِ يونس، وهو عملٌ ملائكي، ولهذا قالت الملائكة للإله يومَ خلق آدم، ونصبه خليفة في الأرض، { ونحن نسبحُ بحمدك ونقدسُ لك} ، كوظيفة عظمى استحقت أن تذكرها الملائكةُ أمامَ الله.
- فلولا أنه كان من المسبحين . [ الصافات: 143]
- في نور آية كريمة.. "فلولا أنه كان من المسبحين" | موقع المسلم
- موقع تراثي
- إسلام ويب - تفسير الألوسي - تفسير سورة النمل - تفسير قوله تعالى وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير- الجزء رقم19
فلولا أنه كان من المسبحين . [ الصافات: 143]
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) ﴾
يقول تعالى ذكره: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ﴾ يعني يونس ﴿كَانَ مِنَ﴾ المُصَلِّينَ لله قبل البلاء الذي ابتُلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ يقول: لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه. وقد اختلف أهل التأويل في وقت تسبيح يونس الذي ذكره الله به، فقال ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك، وقالوا مثل قولنا في معنى قوله ﴿مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ كان كثير الصَّلاةِ في الرّخاء، فنجَّاه الله بذلك؛ قال: وقد كان يقال في الحكمة: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا ما عَثَر، فإذا صُرع وجد متكئا.
في نور آية كريمة.. "فلولا أنه كان من المسبحين" | موقع المسلم
والتسبيح، يراد به ذكر الله عموماً، وتشترك فيه كل أدوات الحواس وآلاتِ المعرفة عند الإنسان، فذكر الله باللسان تسبيح، والنظر في كتاب الوجود، والتأمل في عظمته تسبيح، والنظر في كتاب الخلق تسبيح، والنظر فيما خطته يد البشر من معانٍ سامية تهذب القلب ، وتنمي الفكر، وتقرب من الإله، صورة من صور التسبيح لله تعالى.. وكل عمل يراد به الله دون سواه، تسبيح؛ لأن الغاية فيه هو الله! ثم تأمل معي: إن عبادة التبسيح (ذكر الله) من العباداتِ اليسيرة، ومع ذلك يغفل عنها كثيرٌ من الخلق، ومن وفقَ لذكر الله كثيراً، فاعلم، أن الله أراد أن يكثر من ذكره في الملأ الأعلى، وهذه مِنَّة لا يعلم جلالها إلا من تعلقت قلوبهم بالله.. فهل فكرت، ماذا يعني أن يُخصَّ ذكركَ من بينِ الخلائق؟! فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه. فمع كونها يسيرة إلا أن الغفلة فيها واسعة وهذا يلفت النظر إلى التوفيق الذي يسبغه الله على خلقه الذاكرينَ الله كثيراً! والذي يُفهم من الآيات التي ذكرت خبرَ يونس عليه السلام: ان التبسيح وذكر الله أحد أسباب النجاة من المحن والآلام والمصائب التي تعترض طريق الإنسان في سيره.. فالموفقُ من وُفق بأخذ أسباب النجاة في سفره الذي لا يعلم بانتهاءه إلا الله وحده.
موقع تراثي
قال في قوله تعالى:" فنبذناه بالعراء": تقول العرب:" نبذته بالعراء": أي الأرض الفضاء. قال الخزاعي:" ورفعت رجلا... إلخ البيت". العراء: لا شيء يواريه من شجر ولا من غيره اهـ. ، أنشده صاحب (اللسان: عرا) ولم ينسبه. قال: وقال أبو عبيده إنما قيل له عراء، لأنه لا شجر فيه، ولا شيء يغطيه. وقيل: عن العراء وجه الأرض الخالي وأنشد:" ورفعته رجلا... البيت". في نور آية كريمة.. "فلولا أنه كان من المسبحين" | موقع المسلم. ونقل بعد ذلك كلام الزجاج في معنى العراء، فراجعه ثمة. ]] يعني بالبلد: الفضاء. ⁕ حدثني عليّ، قال: ثني أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ﴾ يقول: ألقيناه بالساحل. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ﴾ بأرض ليس فيها شيء ولا نبات. ⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ﴿بِالْعَرَاءِ﴾ قال: بالأرض. وقوله ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾
يقول: وهو كالصبي المنفوس: لحم نِيء. كما:-
⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ كهيئة الصبيّ. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: خرج به، يعني الحوت، حتى لفظه في ساحل البحر، فطرحه مثل الصبيّ المنفوس، لم ينقص من خلقه شيء.
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، شعار المؤمنين، ودثار المتقين، ووصية الله تعالى للناس أجمعين. فاتقوا الله عباد الله.. واعلموا أن من علامات حسن الإسلام، وكمال الإيمان، وامتلاء القلب بحب الرحمن، أن يلجأ الإنسان إلى الواحد الديان في جميع الأحوال وعلى مدار الأزمان. فهو يتعرف إلى ربه ويتقرب إليه ويتودد إليه في سرَّائه وضرَّائه، وشدَّته ورخائه، وعافيته وبلائه، كذلك في صحته وسقمه، وغناه وفقره، وشبابه وهرمه، وفي كل حال. واعلموا أيضا ـ حفظكم الله ـ أن مواظبة المسلم على الطاعة في السراء، وملازمته للعبادة عند الرخاء، سبب عظيم لإجابة دعائه عند الشدائد والمصائب والبلاء. كما قال سيد العقلاء وإمام الأنبياء: [ من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد، فليكثر الدعاء في الرخاء](رواه الترمذي: وهو حسن). وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأمة كلها في شخص ابن عباس، حين قال له وهو يعلمه أصول الإيمان وقواعد الإسلام: " احفظ الله يحفظك.. إلى أن قال:.... [ تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة](رواه أحمد والترمذي). أي إذا أردت أن يحفظك الله في الشدائد والمحن، ويدفع عنك ما تكره من الرزايا والنقم، ويحفظ عليك دينك من مضلات الفتن، فتعرف عليه في حال رخائك، فإن العبد إذا اتقى الله في حال الرخاء، وحفظ حدوده، وتلمس حقوقه، وأطاع أوامره، واتبع شرعه، صارت له بالله معرفة خاصة، ومحبة ومودة تستدعي أن يحفظه الله في حال شدته كما هو مدلول الحديث القدسي: [ وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه](رواه البخاري).
وروى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن يونس النبي عليه الصلاة والسلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت، فقال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فأقبلت الدعوة تحن بالعرش، قالت الملائكة: يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة، فقال الله تعالى: أما تعرفون ذلك؟ قالوا: يا رب ومن هو؟ قال عز وجل: عبدي يونس، قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مستجابة، قالوا: يا رب أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء؟ قال: بلى، فأمر الحوت فطرحه بالعراء). وقوله: (وكذلك ننجي المؤمنين) يفتح أبواب رحمة الله بعباده المؤمنين الذين إذا كانوا في الشدائد دعوا الله منيبين إليه، وقال صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء إلا استجاب له.
يقول تعالى ذكره: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ) أباه ( دَاودَ) العلم الذي كان آتاه الله في حياته, والمُلك الذي كان خصه به على سائر قومه, فجعله له بعد أبيه داود دون سائر ولد أبيه (وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) يقول: وقال سليمان لقومه: يا أيها الناس علمنا منطق الطير, يعني فهمنا كلامها; وجعل ذلك من الطير كمنطق الرجل من بني آدم إذ فهمه عنها. وقد حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب: (وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) قال: بلغنا أن سليمان كان عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس, وخمسة وعشرون للجنّ، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير, وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب; فيها ثلاث مائة صريحة, وسبع مائة سرية, فأمر الريح العاصف فرفعته, وأمر الرخاء فسيرته، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض: إني قد أردت أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرته. وقوله: (وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يقول: وأعطينا ووهب لنا من كلّ شيء من الخيرات (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) يقول: إن هذا الذي أوتينا من الخيرات لهو الفضل على جميع أهل دهرنا المبين, يقول: الذي يبين لمن تأمَّله وتدبره أنه فضل أعطيناه على من سوانا من الناس.
إسلام ويب - تفسير الألوسي - تفسير سورة النمل - تفسير قوله تعالى وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير- الجزء رقم19
ولكن الله سبحانه وتعالى ، كان قد أفهم سليمان ، عليه السلام ، ما يتخاطب به الطيور في الهواء ، وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها; ولهذا قال: ( علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء) أي: مما يحتاج إليه الملك ، ( إن هذا لهو الفضل المبين) أي: الظاهر البين لله علينا. قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " كان داود ، عليه السلام ، فيه غيرة شديدة ، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب ، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع ". إسلام ويب - تفسير الألوسي - تفسير سورة النمل - تفسير قوله تعالى وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير- الجزء رقم19. قال: " فخرج ذات يوم وأغلقت الأبواب ، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ، فإذا رجل قائم وسط الدار ، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل ، والدار مغلقة ؟ والله لنفتضحن بداود ، فجاء داود ، عليه السلام ، فإذا الرجل قائم وسط الدار ، فقال له داود: من أنت ؟ قال: الذي لا يهاب الملوك ، ولا يمتنع من الحجاب. فقال داود: أنت والله إذا ملك الموت. مرحبا بأمر الله ، فتزمل داود ، عليه السلام ، مكانه حتى قبضت نفسه ، حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس ، فقال سليمان ، عليه السلام ، للطير: أظلي على داود ، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض ، فقال لها سليمان: اقبضي جناحا جناحا " قال أبو هريرة: يا رسول الله ، كيف فعلت الطير ؟ فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده ، وغلبت عليه يومئذ المضرحية.
قال أبو الفرج بن الجوزي: المضرحية النسور الحمر.