قال المبرد: أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية: يعني يسلمون عليه تسليماً ويدعون له، وهو من الكلام المحكي كقوله: "سورة أنزلناها" وقيل إنه ضمن تركنا معنى قلنا. قال الكوفيون: جملة سلام على نوح في العالمين في محل نصب مفعول تركنا، لأنه ضمن معنى قلنا. قال الكسائي: وفي قراءة ابن مسعود سلاماً منصوب بتركنا: أي تركنا عليه ثناءً حسناً، وقيل المراد بالآخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي العالمين متعلق بما تعلق به الجار والمجرور الواقع خبراً، وهو على نوح: أي سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح في العالمين من الملائكة والجن والإنس، وهذا يدل على عدم اختصاص ذلك بأمة محمد صلى الله عليه وسلم كما قيل. 79. " سلام على نوح في العالمين "، [أي: سلام عليه منا في العالمين]. وقيل: أي تركنا عليه في الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة. 79-" سلام على نوح " هذا الكلام جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليماً. وقيل هو سلام من الله عليه ومفعول " تركنا " محذوف مثل الثناء. " في العالمين " متعلق بالجار والمجرور ومعناه الدعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة والثقلين جميعاً. 79. Peace be unto Noah among the peoples! 79 - Peace and salutation to Noah among the nations.
تفسير سورة الصافات الآية 79 تفسير ابن كثير - القران للجميع
وقوله تبارك وتعالى: " وتركنا عليه في الآخرين " قال ابن عباس رضي الله عنهما يذكر بخير, وقال مجاهد يعني لسان صدق للأنبياء كلهم, وقال قتادة والسدي أبقى الله عليه الثناء الحسن في الاخرين. وقال الضحاك السلام والثناء الحسن, وقوله تعالى: "سلام على نوح في العالمين" مفسر لما أبقى عليه الذكر الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه في جميع الطوائف والأمم "إنا كذلك نجزي المحسنين" أي هكذا نجزي من أحسن من العباد في طاعة الله تعالى ونجعل له لسان صدق يذكر به بعده بحسب مرتبته في ذلك ثم قال تعالى: "إنه من عبادنا المؤمنين" أي المصدقين الموحدين الموقنين " ثم أغرقنا الآخرين " أي أهلكناهم فلم يبق منهم عين تطرف ولا ذكر ولا عين ولا أثر, ولا يعرفون إلا بهذه الصفة القبيحة. والمتروك هذا هو قوله: 79- "سلام على نوح" أي تركنا هذا الكلام بعينه وارتفاعه على الحكاية، والسلام هو الثناء الحسن: أي يثنون عليه ثناءً حسناً ويدعون له ويترحمون عليه. قال الزجاج: تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة، وذلك الذكر هو قوله: "سلام على نوح". قال الكسائي: في ارتفاع سلام وجهان: أحدهما وتركنا عليه في الآخرين يقال سلام على نوح. والوجه الثاني أن يكون المعنى: وأبقينا عليه، وتم الكلام، ثم ابتدأ فقال: سلام على نوح: أي وسلامة له من أن يذكر بسوء في الآخرين.
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الصافات - الآية 79
سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: سلام على نوح أي سلامة له من أن يذكر بسوء في الآخرين. قال الكسائي: وفي قراءة ابن مسعود " سلاما " منصوب ب " تركنا " أي: تركنا عليه ثناء حسنا سلاما. وقيل: في الآخرين أي: في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: في الأنبياء ، إذ لم يبعث بعده نبي إلا أمر بالاقتداء به ، قال الله تعالى: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا وقال سعيد بن المسيب: وبلغني أنه من قال حين يمسي: سلام على نوح في العالمين لم تلدغه عقرب. ذكره أبو عمر في التمهيد. وفي الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من نزل منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل. وفيه عن أبي هريرة أن رجلا من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أي شيء ؟. فقال: لدغتني عقرب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك.
تفسير سلام على نوح في العالمين [ الصافات: 79]
وقيل: في الأنبياء إذ لم يبعث بعده نبي إلا أمر بالاقتداء به ، قال الله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً " [ الشورى: 13] وقال سعيد بن المسيب: وبلغني أنه من قاله حين يمسي " سلام على نوح في العالمين " لم تلدغه عقرب. ذكره أبو عمر في التمهيد. وفي الموطأ " عن خولة بن حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن رجلاً من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي شيء فقال: لدغتني عقرب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك ".
" من نزل منزلاً فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل " وفيه عن أبي هريرة. لما ذكر تعالى عن أكثر الأولين أنهم ضلوا عن سبيل النجاة شرع يبين ذلك مفصلاً فذكر نوحاً عليه الصلاة والسلام وما لقي من قومه من التكذيب, وأنه لم يؤمن منهم إلا القليل مع طول المدة لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فلما طال عليه ذلك واشتد عليه تكذيبهم, وكلما دعاهم ازدادوا نفرة فدعا ربه أني مغلوب فانتصر, فغضب الله تعالى لغضبه عليهم, ولهذا قال عز وجل: "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون" أي فلنعم المجيبون له "ونجيناه وأهله من الكرب العظيم" وهو التكذيب والأذى "وجعلنا ذريته هم الباقين" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لم تبق إلا ذرية نوح عليه السلام.
{سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِين} ويمثِّل هذا السلام التقدير الكبير لإخلاصه في الدعوة، ولجهاده في خط المواجهة، وتلك هي مسألة الذكر الحسن للماضين، فهي النافذة المفتوحة على حياتهم الخيّرة المجاهدة العاملة في سبيل الله، وليست امتيازاً ذاتياً خاضعاً للعوامل الشخصية الطارئة، ولذلك كان السلام الذي تركه الله له سلاماً شاملاً للعالمين، كدليل على شمول موقعه لدى أمم البشر كافة. {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين} الذين أحسنوا القول والعمل، واستجابوا لله في كل تعاليمه، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِين} وتلك هي الصفة الكبيرة ذات القيمة الإلهية التي تمثل الإيمان العميق الممتد في كل حياة الإنسان، ليتحوّل إلى فكر ينفتح على الله، وحركة تنطلق من أجل عبادته {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرينَ} الذين كذبوا بالرسالة.
يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة الزمر: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فما هي مناسبة نزول هذه الآية ؟ وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف; أن ابن جريج أخبرهم: قال يعلى: إن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس [ رضي الله عنهما]; أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا. فأتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة. فنزل: ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) [ الفرقان: 68] ، ونزل قوله تعالى: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله). ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها ، وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر. ولا يصح حمل هذه الآية على غير توبة; لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه.
قل يا عبادي الذين اسرفوا ماهر المعيقلي
ومع هذا الرجاء الذي بينته الآية، يأتي مباشرة بعدها قول الله تعالى: "وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ" (الزمر، الآيتان 54 و55)؛ فمن أراد المغفرة الحقيقية التي تكفل الله بها، فلا بد معها من إنابة حقيقية إلى الله تعالى، لا بد من انكسار له واعتراف بما اقترف الإنسان بينه وبين ربه، ينيب ويستسلم له، حتى لا يأتيه عذاب الله وحينها لا ناصر ولا ولي. وليكن أيضا الاتّباع لهذا الكتاب، وهو أحسن ما نزل من عند الله تعالى، وهو حبل الله المتين الذي ينبغي أن نتمسك به ليقودنا إلى الصراط المستقيم. فالاتباع هنا ضروري، وإلا سار كل منا هائما على وجهه؛ فلا بد من دليل ومرشد وهاد، وهو هذا القرآن الذي "لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت، الآية 42)، حتى لا يأتينا العذاب بغتة، ويكون المصير هو الهلاك لا قدر الله. ونستشعر هنا لفظ "الرب" الدال على التربية التي ينبغي أن نراعيها ونتدرج فيها.
قل يا عبادي الذين اسرفوا منصور السالمي
السؤال:
في قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]؟
الجواب:
أجمع أهل العلم على أنها في التائبين؛ لأنه قال: يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وهذا يشمل الشرك وغيره، ما قال إلا الشرك، فهذا يعم الشرك وغيره، ولهذا أجمع العلماء على أنها في التائبين. أما قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] هذه في غير التائبين، هذه في الذين ماتوا على غير توبة. وأما قوله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] هذه في التائبين؛ لأن الله عمم فيها وأطلق ولم يستثن شيئًا، بدليل أنه أطلق ولم يستثن الشرك، الشرك ما يغفر لمن مات عليه. ثم أمرهم بالإنابة يعني بالتوبة إلى الله ، والإنابة إليه جل وعلا؛ لأن هذا معنى {لَا تَقْنَطُوا.. } لا تقنطوا، وأنيبوا.
[ ص: 193] 730 م - ويروى: أن هذه الآية نزلت في وحشي قاتل حمزة - رحمة الله عليه ورضوانه - وذكرنا ذلك في آخر سورة الفرقان.