قال ابن حجر:
والمجاهِر هو الذي أظهر معصيتَه، وكشف ما ستَر الله عليه، فيحدِّث بها، أما (المجاهرون) في الحديث الشريف فيحتمل أن يكون بمعنى مَن جَهَر بالمعصية وأظهرها، ويحتمل أن يكون المراد الذين يُجاهِر بعضهم بعضًا بالتحدُّث بالمعاصي، وبقية الحديث تؤكِّد المعنى الأول [3]. حكم غيبة المجاهر بالمعاصي وهجره. ومما سبَق يتضح أنَّ المجاهرة على أنواع ثلاثة:
1- المجاهَرة بمعنى إظهار المعصية، وذلك كما يفعل المُجَّان والمستهترون بحُدود الله، والذي يفعل المعصية جهارًا يرتكب محذورين:
الأول: إظهار المعصية. الثاني: تلبُّسه بفعْل المجَّان؛ أي: ( أهل المجون)، وهو مذموم شرعًا وعُرفًا. 2- المجاهرة بمعنى إظهار ما سَتَر الله على العبد مِن فعْله المعصية؛ كأنْ يُحدِّث بها تفاخرًا أو استهتارًا بسِتر الله تعالى، وهؤلاء هم الذين لا يتمتَّعون بمعافاة الله - عزَّ وجلَّ - كحالِ الشباب الذين يُسافرون إلى خارج البلاد، ويرتكب الواحدُ منهم الفواحشَ وشُرْب الخمور، ثم يُخبر بهذا أصدقاءَ السُّوء؛ تفاخرًا واستهتارًا بستر الله له. 3- المجاهرة بمعنى أن يُجاهِر بعض الفسَّاق بعضًا بالتحدُّث بالمعاصي [4] ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: إنَّ المُظهِر للمنكَر يجب الإنكارُ عليه علانيةً، ولا تبقى له غِيبة، ويجب أن يُعاقَب علانية بما يردعه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتًا إذا كان فيه رَدْعٌ لأمثاله، فيتركون تشييعَ جنازته [5].
حكم غيبة المجاهر بالمعاصي وهجره
[6]
وجعل ابن جماعة من المجاهرة بالمعصية إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح [7] لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها». [8] والمراد من نشر السر ذكر ما يقع بين الرجل وامرأته من أمور الوقاع ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة من قول أو فعل ونحو ذلك، وأما مجرد ذكر الوقاع إذا لم يكن لحاجة فذكره مكروه، فإن دعت إلى ذكره حاجة وترتبت عليه فائدة فهو مباح كما لو ادعت الزوجة على زوجها أنه عنين. المجاهرة بالمعصية - طريق الإسلام. حكم هجر المجاهر بالمعصية
ذهب الفقهاء إلى مشروعية هجر المجاهرين بالمعاصي والمنكرات أو البدع والأهواء، لحق الله تعالى، على سبيل الزجر والتأديب. [9]
قال النفراوي المالكي: "ومن الهجران الجائز هجران كل متجاهر بالكبائر كشرب الخمر والزنا وشهادة الزور والسرقة وإنما يقتصر المكلف على هجران المجاهر إذا كان لا يصل إلى عقوبته أي لا قدرة له على زجره عنها إذا كان لا يتركها إلا بالعقوبة ولا يقدر على موعظته لشدة تجبره أو يقدر لكن لا يقبلها لعدم عقل ونحوه وأما لو كان يتمكن من زجره عن مخالطة الكبائر بعقوبته بيده إن كان حاكماً أو في ولايته أو يرفعه للحاكم أو بمجرد وعظه لوجب عليه زجره وإبعاده عن فعل الكبائر؛ ولا يجوز له تركه بهجره؛ والحاصل أن المتجاهر بالكبائر لا يجب هجرانه مع بقائه على مخالطة الكبائر إلا عند العجز عن زجره".
المجاهرة بالمعصية - طريق الإسلام
ويشير إلى أنه يجب على المسلم إذا رأى إنساناً يرتكب معصية أن ينكر عليه فعله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، كما ينبغي على الإنسان المسلم إذا وقعت هفوة منه أو زلة أن يستر على نفسه ويتوب بينه وبين الله عز وجل، مبينا أن الستر لأجل أن لا تشيع الفاحشة، ولا يعم ذكرها في المجتمع، وكما قال الرسول الكريم: «اجتنبوا هذه القاذورات، فمن أثم فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإن من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله». آخر الأخبار
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2022©
خطورة المجاهر بالمعصية
وقال النووي - رحمه الله -: "إنَّ مَن جاهر بفسقه أو بِدعته، جاز ذِكرُه بما جاهر به دون ما لم يجاهرْ به" [6] ، وقال ابن حجر - رحمه الله -: "مَن قصد إظهار المعصية والمجاهرةَ، أغضبَ ربَّه فلم يستره، ومَن قصد التستُّرَ بها حياءً من ربه ومِن الناس، منَّ الله عليه بسِتره إياه" [7]. ا هـ. قال ابن بطال: "في الجهرِ بالمعصية استخفافٌ بحقِّ الله ورسوله، وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرْبٌ مِن العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف" [8].
فمن كانت هذه حاله في أمور الدين بصفة عامة فلا يرفع بها رأسا، فهو من المعرضين، والإعراض من أنواع الكفر ـ والعياذ بالله ـ وراجع في ذلك الفتويين رقم: 39187 ، ورقم: 139519. والله أعلم.
تفسير: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم... )
♦ الآية: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾. يوم تبيض وجوه وتسود وجوه » صحيفة جواثا الإلكترونية. ♦ السورة ورقم الآية: آل عمران (106). ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ يومَ تبيض وجوه ﴾ أَيْ: وجوه المهاجرين والأنصار ومَنْ آمنَ بمحمدٍ عليه السَّلام ﴿ وتسودّ وجوه ﴾ اليهود والنَّصارى ومَنْ كفر به ﴿ فأمَّا الذين اسودَّت وجوههم ﴾ فيقال لهم: ﴿ أكفرتم بعد إيمانكم ﴾ لأنَّهم شهدوا لمحمدٍ عليه السَّلام بالنُّبوَّة فلمَّا قدم عليهم كذَّبوه وكفروا به.
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه » صحيفة جواثا الإلكترونية
وقال في الآخرين: الذين استقاموا على إيمانهم ذلك، فأخلصوا له الدين والعمل، فبيَّض الله وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنته. * * * وقال آخرون: بل الذين عنوا بقوله: " أكفرتم بعد إيمانكم "، المنافقون. *ذكر من قال ذلك: 7605- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن: " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " الآية، قال: هم المنافقون، كانوا أعطوا كلمةَ الإيمان بألسنتهم، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بالصواب، القولُ الذي ذكرناه عن أبي بن كعب أنه عنى بذلك جميع الكفار، وأنّ الإيمان الذي يوبَّخُون على ارتدادهم عنه، هو الإيمان الذي أقروا به يوم قيل لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [سورة الأعراف: 172]. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. وذلك أن الله جل ثناؤه جعل جميعَ أهل الآخرة فريقين: أحدهما سودًا وجوهه، والآخر بيضًا وجوهه. (82) فمعلوم -إذ لم يكن هنالك إلا هذان الفريقان- أن جميع الكفار داخلون في فريق من سُوِّد وجهه، وأن جميع المؤمنين داخلون في فريق من بُيِّض وجهه. فلا وجه إذًا لقول قائل: " عنى بقوله: " أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ، بعض الكفار دون بعض "، وقد عمّ الله جل ثناؤه الخبرَ عنهم جميعهم، وإذا دخل جميعهم في ذلك، ثم لم يكن لجميعهم حالة آمنوا فيها ثم ارتدوا كافرين بعدُ إلا حالة واحدة، كان معلومًا أنها المرادة بذلك.
اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض الوجوه، ولا تسود وجوهنا يوم تسود الوجوه، آمين يا رب العالمين. لا يوجد وسوم
وصلة دائمة لهذا المحتوى:
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه – شبكة اخبار العراق
« اللهم ارحمه فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض عليك، اللهم قِهِ عذابك يوم تبعث عبادك.. اللهم انقله من ضيق اللحود، ومن مراتع الدود إلى جناتك جنات الخلود، لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض». « اللهم إني أسألك يا حنّان يا منّان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل (أسم المتوفى) من الذين إذا أحسنوا استبشروا». «أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل منا ومنكم الدعاء، ويغفر لموتانا وموتاكم وموتى المسلمين، وأن يحسن خاتمتنا إنه قادر على كل شيء». « اللهم عامله بما أنت أهله، ولا تعامله بما هو أهله، وأجره عن الإحسان إحسانًا، وعن الإساءة عفوًا وغفرانًا، اللهم إن كان محسنًا فزد من حسناته، وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته، يارب العالمين. يوم تبيض وجوه وتسود وجوه – شبكة اخبار العراق. اللهم ارحمنا إذا ورينا التراب، وغلقت القبور والأبواب، وانفض الأهل. والأحباب، اللهم ارحمنا إذا فارقنا النعيم».
شرعه الله- عز وجل- وجعله شعيرة من شعائره" ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب". فعيد الفطر يعقب شهر رمضان شكراً لله على ما أنعم به علينا من صيامه وقيام لياليه. وفرض عيد الأضحى شكراً له على ما أنعم به على الحجاج إتمام حجهم. كان العيد قبل أربعة عقود تقريباً حميمياً جداً؛ لاجتماع الناس وبساطتهم، وعدم وجود تكاليف معنوية أو مادية. فهو يجمعهم صغاراً وكباراً ولا يشكل عبئاً عليهم مادياً أو معنوياً أو اجتماعياً، فما أجمل فرحة الأطفال وهم ينتقلون من بيت إلى بيت في الأزقة والدواعيس والسوابيط في الفرجان ذات البيوت الطينية المتلاصقة دون خوف من سيارات مسرعة أو دراجات طائشة مرددين أهازيج العيد! والأجمل رؤية الكبار بثيابهم وبشوتهم الجديدة ينتقلون من مجلس إلى آخر تسبقهم ابتساماتهم وضحكاتهم البريئة قبل قبلاتهم المترعة بفيروسات السعادة، فتسمو نفوسهم بقلوب طاهرة، ونيات صادقة، وألسنة ذات كلمات طيبة. ومع دخول البث الفضائي ثم دخول خدمة الجوال تقريباً
بدأنا نشكو من برودة العيد، وحميميته وتحوله من الحالة الجمعية إلى حالة بين الجمعية والفردية. وبعد ثورة الاتصالات والتطبيقات وما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي انطلق العيد نحو الحالة الفردية، فاقتصر على أسرة الشخص الخاصة بل على نفسه، فلم يعد يهمه التواصل الجسدي والاجتماعي، فيكتفي بإرسال رسائل معايدة إلكترونية واتسابية لا تسمن ولا تغني من جوع النفس للحب والكلام، وإشباع غريزة الاجتماع بالآخرين!
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
اهـ من "التقريب" (ص315). [3] رواه الترمذي (2641) والطبراني في "الكبير" (19 /376) من طريق عبد الرحمن بن أنعم الإفريقي، وهو ضعيف. انظر: "التقريب" (ص340)، وقال العلامة الألباني في "صحيح وضعيف الترمذي" (6 /141): حسن؛ اهـ.
وليت الأمر بقي كذلك فمع اجتياح فيروس كورونا في 2020 تحول العيد نحو منحى جديد غارق جداً في الفردية غير السليمة التي لا تتوافق مع طبيعة الإنسان، وهذه حالة طارئة ستزول إن شاء الله. وأتوقع أن العيد القادم سيستعيد شيئاً من مظاهره باتباع الاحترازات الصحية. عيد الفطر يوم من أيام الله المباركة، يوم الجوائز الإلهية التي يكرم بها عباده المطيعين المنيبين إليه. فيه تبيض وجوه وتسود وجوه، تبيض وجوه عند ربها فتكون ناعمة، ناضرة، مسفرة، ضاحكة، مستبشرة، برضا الله عنها، وقبوله لأعمالها. فيه تبيض وجوه من قبل الله صيامهم، وغفر ذنوبهم وعتق رقابهم من النار. فيه تبيض وجوه من أدوا الواجبات خير قيام، وتصدقوا على أنفسهم بالمستحبات. فيه تبيض وجوه من قاموا رمضان إيماناً واحتساباً فغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم. فيه تبيض وجوه من قاموا لياليه وخاصة ليلة القدر التي خير من ألف شهر التي تساوي 83 سنة، فغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم. فيه تبيض وجوه من عمروا قلوبهم بالإيمان واتصلوا بربهم بالصلوات، وتحدثوا معه بالقرآن الكريم. فيه تبيض وجوه من غلبوا هواهم، وهزموا شياطينهم في شهر تصفد فيه الشياطين، وتغلق فيه أبواب النيران. فيه تبيض وجوه من تواصلوا مع والديهم، وأهاليهم، وغيرهم باتباع الإحترازات الصحية، فمن أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه.