فالواجب على مَن استطاع أن يُبادر بالزواج، وألا يتخلَّف عن ذلك بأعذارٍ واهيةٍ، تارةً يقول: حتى أُكمل الدراسة، وتارةً يقول: حتى أشتري مسكنًا، وتارةً يقول: كذا، هذا ما ينبغي له هذا، ما دام عنده شهوة النكاح فالواجب البدار؛ لقوله ﷺ: يا معشر الشباب، هذا عام للقُرَّاء في الكليات وغيرهم: مَن استطاع منكم الباءَة فليتزوج، والأمر أصله للوجوب، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء، الصوم من أسباب العفَّة؛ لأنه يُضعف قوة النكاح والشهوة، ويُسبب غضّ البصر، فهو من أسباب السلامة. ويقول ﷺ لما دخل بعضُ الناس وسأل بعضَ أزواجه عن أعماله في السرِّ، فقالوا: أين نحن من رسول الله ﷺ؟! لما أخبرهم أزواجُ النبي أنه ﷺ يصوم ويُفطر ولا ينقطع، فقالوا: أين نحن من رسول الله ﷺ، وقد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؟!
- يا معشر الشباب من استطاع
- يا معشر الشباب من استطاع الباءة
- يا معشر الشباب
يا معشر الشباب من استطاع
فضل النكاح
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعاً: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ». شرح الحديث:
بما أن التحصن والتعفف واجب، وضدهما محرم، وهو آتٍ من قبل شدة الشهوة مع ضعف الإيمان، والشباب أشد شهوة، خاطبهم النبى -صلى الله عليه وسلم- مرشدا ًلهم إلى طريق العفاف، وذلك أن من يجد منهم مؤنة النكاح من المهر والنفقة والسكن، فليتزوج لأن الزواج يغض البصر عن النظر المحرم ويحصن الفرج عن الفواحش، وأغرى من لم يستطع منهم مؤنة النكاح وهو تائق إليه بالصوم، ففيه الأجر، وقمع شهوة الجماع وإضعافها بترك الطعام والشراب، فتضعف النفس وتنسد مجارى الدم التي ينفذ معها الشيطان، فالصوم يكسر الشهوة كالوجاء للبيضتين اللتين تصلحان المنى فتهيج الشهوة. معاني الكلمات:
يا معشر
المعشر: هم الطائفة الذين يشلمهم وصف. الشباب
جمع شاب، وهو اسم لمن بلغ حتى يكمل ثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم شيخ. وخص الشباب بهذا الخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيخ وإن كان المعنى معتبراً إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا.
يا معشر الشباب من استطاع الباءة
- القول الثاني: راعى جانب أسباب الجماع ومؤن النكاح فسميت الباءة باسم ما يلازمها، فكان تقديره للحديث على ما يأتي: «من استطاع منكم على أسباب الجماع ومؤن النكاح المادية من المهر والنفقة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم لقطع شهوته» ( ٣). وحمله على المعنى الثاني وهو القدرة على مؤن الزواج لا على الوطء ( ٤) أصحُّ لسببين:
١) أنَّ الخطاب توجَّه للشباب القادر على الجماع؛ لأنّ الغالب فيهم وجود قوة الداعي إلى الوطء بخلاف الشيوخ، والغالب يقوم مقام الكلّ ولا عبرة بالنادر. ٢) ولأنّ العاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لقطع شهوته، فكان معنى الاستطاعة في الحديث القدرة على تكاليف الزواج ونفقته لا على القدرة على الوطء حملاً لكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على التأسيس وهو أولى رتبةً من التأكيد. ولا مانع من حمله على المعنى الأعمِّ بأن يُراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج على ما ذكره الحافظ ابن حجر ‑رحمه الله‑ ( ٥). والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا. الجزائر في: ١٥ جمادى الأولى ١٤٣٠ﻫ الموافق ﻟ: ١٠ مايو ٢٠٠٩م
( ١) أخرجه البخاري كتاب «الصوم»، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة: (١/ ٤٥٦)، ومسلم كتاب «النكاح»: (١/ ٦٣٠)، رقم: (١٤٠٠)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
يا معشر الشباب
متفق عليه. رابعا: تكثير عدد المسلمين، وإسعاد الرسول الأمين:
فقد ثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه يكاثر بأمته الأمم السابقة ويحب أن يكون أكثرهم تابعا، وقد حث المسلمين على التزوج وإنجاب الذرية الطيبة التي تستحق أن يفتخر بها يوم القيامة.
يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: غريزة "الجنس"(1) حصان طروادة! طاقة الإنسان الحيويّة تنقسم إلى غرائز وحاجات عضويّة. إختصارا الغرائز هي الطّاقة الحيويّة أو الرّغبات والميول التي إن لم تُلبّى أقلقت الإنسان وأضجرته ولكنّه لن يقتُله عدم تلبيتها كغريزة النّوع (الميل الفطري للجنس هو مظهر من
مظاهرها) أو غريزة التّديّن (الميل الفطري للتّقديس والإحترام هو مظهر من مظاهرها) أو غريزة البقاء (الميل الفطري للتّملّك هو مظهر من مظاهرها). أمّا الحاجات
العضويّة فهي إن لم تُلبّى قتلت الإنسان كالجوع والعطش. يكون الميل الجنسي على أشدّ ما يكون عنفوانا عند سنّ الشّباب. وسنّ الشّباب هو أفضل سنيّ العمر على الإطلاق. وقد ورد في الشّباب ما لا يُحصى من الأقوال العظيمة. فالشّباب هم بإختصار: قوّة الأمّة ومستقبلها. والإسلام بأحكامه جاء منظِّما لطريقة إشباع كلّ تلك الطّاقات الحيويّة ومنها غريزة النّوع فجعل حكم الزّواج هو الطّريقة الوحيدة لإشباع الميل الفطري للجنس.