وفي النفي يذكر الأضعف بعد الأقوى بعكس الإثبات ما لم يوجد ما يقتضي عكس ذلك. وحذف متعلق ( يطغي) فيحتمل أن حذفه لدلالة نظيره عليه ، وأوثر بالحذف لرعاية الفواصل. والتقدير: أو أن يطغى علينا. ويحتمل أن متعلقه ليس نظير المذكور قبله بل هو متعلق آخر لكون التقسيم التقديري دليلا عليه لأنهما لما ذكر متعلق ( يفرط علينا) وكان الفرط شاملا لأنواع العقوبات حتى الإهانة بالشتم لزم أن يكون التقسيم ب ( أو) منظورا فيه إلى حالة أخرى وهي طغيانه على من لا يناله عقابه ، أي أن يطغى على الله بالتنقيص كقوله ، ( ما علمت لكم من إله غيري) وقوله ( لعلي أطلع إلى إله موسى) ، فحذف متعلق يطغى حينئذ لتنزيهه على التصريح به في هذا المقام ، والتقدير: أو أن يطغى عليك فيتصلب في كفره ويعسر صرفه [ ص: 228] عنه. وفي التحرز من ذلك غيرة على جانب الله تعالى ، وفيه أيضا تحرز من رسوخ عقيدة الكفر في نفس الطاغي فيصير الرجاء في إيمانه بعد ذلك أضعف منه فيما قبل ، وتلك مفسدة في نظر الدين. لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى. وحصلت مع ذلك رعاية الفاصلة. قال الله ( لا تخافا) ، أي لا تخافا حصول شيء من الأمرين. وهو نهي مكنى به عن نفي وقوع المنهي عنه. وجملة ( إنني معكما) تعليل للنهي عن الخوف الذي هو في معنى النفي ، والمعية معية حفظ.
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة طه - قوله تعالى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى - الجزء رقم17
و ( أسمع وأرى) حالان من ضمير المتكلم ، أي أنا حافظكما من كل ما تخافانه ، وأنا أعلم الأقوال والأعمال فلا أدع عملا أو قولا تخافانه. ونزل فعلا ( أسمع وأرى) منزلة اللازمين إذ لا غرض لبيان مفعولهما بل المقصود: أني لا يخفى علي شيء. وفرع عليه إعادة الأمر بالذهاب إلى فرعون. والإتيان: الوصول والحلول ، أي فحلا عنده ، لأن الإتيان أثر الذهاب المأمور به في الخطاب السابق ، وكانا قد اقتربا من مكان فرعون لأنهما في مدينته ، فلذا أمرا بإتيانه ودعوته. وجاءت تثنية رسول على الأصل في مطابقة الوصف الذي يجرى عليه في الإفراد وغيره. القران الكريم |قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَىٰ. وفعول الذي بمعنى مفعول تجوز فيه المطابقة ، كقولهم ناقة طروقة الفحل ، وعدم المطابقة كقولهم: وحشية خلوج ، أي اختلج ولدها. وجاء الوجهان في نحو ( رسول) وهما وجهان مستويان. [ ص: 229] ومن مجيئه غير مطابق قوله تعالى في سورة الشعراء ( فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) وسيجيء تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله. وأدخل فاء التفريع على طلب إطلاق بني إسرائيل لأنه جعل طلب إطلاقهم كالمستقر المعلوم عند فرعون ، إما لأنه سبقت إشاعة عزمهما على الحضور عند فرعون لذلك المطلب ، وإما لأنه جعله لأهميته كالمقرر.
استخرج فائدة من قوله تعالى قال لا تخافا انني معكما
فاتضح بما ذُكر أن الشرط في قول المقرئ في إضاءته: والنص إن أوهم غير اللائق.
لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى
إعراب الآية رقم (46): {قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46)}. الإعراب: (لا) ناهية جازمة (معكما) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف خبر إنّ.. و(كما) ضمير مضاف إليه، ومفعول كل من (أسمع، أرى) مقدّر أي: أسمع ما يقول وأرى ما يصنع. وجملة: (قال... ) لا محلّ لها استئناف بيانيّ. وجملة: (لا تخافا... ) في محلّ نصب مقول القول. وجملة: (إنّني معكما... ) لا محلّ لها تعليليّة. وجملة: (أسمع... ) في محلّ رفع خبر ثان ل (إنّ).. إعراب الآيات (47- 48): {فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)}. الإعراب: الفاء عاطفة (ائتياه) فعل مبنيّ على حذف النون.. قال لا تخافا انني معكما اسمع وارى. والألف فاعل، والهاء مفعول به الفاء في (فأرسل) لربط المسبّب بالسبب (معنا) ظرف منصوب متعلّق ب (أرسل)، (بني) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء فهو ملحق بجمع المذكّر، ومنع (إسرائيل) من الصرف للعلميّة والعجمة الواو عاطفة (لا) ناهية جازمة (قد) حرف تحقيق (بآية) متعلّق ب (جئناك)، (من ربك) متعلّق بنعت لآية الواو استئنافيّة (على من) متعلّق بخبر المبتدأ (السلام).
بسم الله الرحمن الرحيم
(لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى). ومن الضروري أن يكون الحال كذلك في الإرسال من الرُسُل (ع) ، فلابد أن يكون المُرسِل الذي مثَّل الله محيطاً بالمُرسَل وبأعدائه ، ويسمع ويرى وقادرا عالما بقدرة الله وعلمه ، وإلا فلا يكون هذا الإرسال من الله حقيقة. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة طه - قوله تعالى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى - الجزء رقم17. وتماما كما عبر عنه سبحانه (إِذْ أَرْسَلْنَا). وإذا كان الأمر كذلك أصبح المُرسِل لاهوت بالنسبة للمُرسَل ، ثم إن هذا المُرسِل أرسل رسوله بإذن الله سبحانه وتعالى فكيف يأذن له الله دون أن يجهزه بالقدرة الكاملة لهذا الإرسال الذي هو أيضا إرسال منه سبحانه. لأنه إذا لم يكن الأمر كذلك ، وكان هناك نقص فان هذا النقص ينسب إلى ساحة الله سبحانه وتعالى. ثم إن الهدف من خلق بني آدم هو الوصول إلى هذه النتيجة ، لأنها تمثل خلافة الله الحقيقية الكاملة التامة ، وقد ذكرها سبحانه في محضر من الملائكة عندما أراد خلق آدم (ع):-
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)
والخليفة الكامل لابد أن يكون صورة كاملة لمن استخلفه ، فلابد أن يكون هذا الخليفة الكامل هو: (الله في الخلق) أو (أسماء الله الحسنى) أو (وجه الله).
القران الكريم |قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَىٰ
وحينئذ تعطف جملة تخلفه على جملة نخلفه في محل نصب.. ولكن الإعراب الأول معتمد على قاعدة: يغتفر في الأواخر ما لا يغتفر في الأوائل. (مكانا) بدل من (موعدا) يكونه اسم مكان منصوب، (سوى) نعت ل (مكانا) منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف. وجملة: (نأتينّك... ) لا محلّ لها جواب القسم المقدّر، وجملة القسم المقدّرة في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول. وجملة: (اجعل... ) في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن قبلت اللقاء فاجعل.. وجملة: (لا نخلفه... ) في محلّ نصب نعت ل (موعدا). الصرف: (موعدا)، يحتمل أن يكون مصدرا ميميّا أو اسم زمان أو اسم مكان من فعل وعد، وزنه مفعل بفتح الميم وكسر العين. (سوى)، اسم بمعنى الوسط، وزنه فعل بضمّ ففتح، ويقرأ سوى بكسر السين. الفوائد: - (مَكاناً سُوىً). في إعراب (مكانا) خمسة أوجه وهي: أ- بعضهم جعله بدل من (مكان) المحذوفة. ب- وبعضهم اعتبره مفعولا ثانيا ل (جعل)، ومنهم أبو علي الفارسي وأبو البقاء. ج- انه منصوب بنفس المصدر. ء- انه منصوب على الظرفية بالفعل (اجعل). ه- انه منصوب بإضمار فعل. وأما لفظة (موعد)، فقيل: اسم زمان، وقيل: اسم مكان.. وقيل: مصدر ميمي بمعنى الموعد، وهو رأينا الذي نؤيده ونتبناه، وهذا الرأي يقتضي تقدير مضاف محذوف أي (مكان الموعد).
وَقَوْله: { قَالَا رَبّنَا إنَّنَا نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا} يَقُول تَعَالَى ذكْره: قَالَ مُوسَى وَهَارُون: رَبّنَا إنَّنَا نَخَاف فرْعَوْن إنْ نَحْنُ دَعَوْنَاهُ إلَى مَا أَمَرْتنَا أَنْ نَدْعُوهُ إلَيْه, أَنْ يَعْجَل عَلَيْنَا بالْعُقُوبَة; وَهُوَ منْ قَوْلهمْ: فَرَطَ منّي إلَى فُلَان أَمَرَ: إذَا سَبَقَ منْهُ ذَلكَ إلَيْه, وَمنْهُ: فَارط الْقَوْم, وَهُوَ الْمُتَعَجّل الْمُتَقَدّم أَمَامهمْ إلَى الْمَاء أَوْ الْمَنْزل كَمَا قَالَ الرَّاجز: قَدْ فَرَطَ الْعلْج عَلَيْنَا وَعَجلْ وَأَمَّا الْإفْرَاط: فَهُوَ الْإسْرَاف وَالْإشْطَاط وَالتَّعَدّي. يُقَال منْهُ: أَفْرَطْت في قَوْلك: إذَا أَسْرَفَ فيه وَتَعَدَّى. وَأَمَّا التَّفْريط: فَإنَّهُ التَّوَاني. يُقَال منْهُ: فَرَطْت في هَذَا الْأَمْر حَتَّى فَاتَ: إذَا تَوَانَى فيه. وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ, قَالَ أَهْل التَّأْويل. ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ: 18208 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو, قَالَ: ثنا أَبُو عَاصم, قَالَ: ثنا عيسَى; وَحَدَّثَني الْحَارث, قَالَ: ثنا الْحَسَن, قَالَ: ثنا وَرْقَاء, جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح, عَنْ مُجَاهد { أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا} قَالَ: عُقُوبَة منْهُ.
ورواه النسائي من حديث أيوب به. ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر ، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ".
تفسير سورة القدر
وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون
في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية. ثم فخم شأنها، وعظم مقدارها فقال: {
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في
ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول،
حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون
العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلًا، نيفًا
وثمانين سنة. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} أي: يكثر نزولهم فيها {
مِنْ كُلِّ أَمْر سَلَامٌ هِيَ} أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها، {
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر. وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه،
خصوصًا في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر
الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر [والله أعلم].
ليلة القدر في سورة الدخان: تأملات علمية ووقفات رمضانية - ملتقى الخطباء
الاعتقاد بأن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر: حيث يعتقد البعض أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر، وفي الحقيقة أن هذا اعتقادٌ باطل، فقد قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ، [١٢] وقال عز وجل: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، [١٣] وبناءً على ذلك فإن ليلة القدر في رمضان، وليست في شعبان، وقد ظهرت هذه البدعة في عام 448 للهجرة، حيث قدم للمسجد الأقصى رجلٌ من مدينة نابلس يُدعى بابن أبي الحميراء، وكان حسن الصوت، فقام يصلّي في ليلة النصف من شعبان فلحق به رجل، ثم الآخر، ثم تكاثر المصلّون، وما أن ختم الصلاة إلا وخلفة جماعة كبيرة. [١٤]
أحداث وقعت في شهر شعبان
يُعد شهر شعبان من الأوقات الفاضلة، وقد وقع فيه العديد من الأحداث العظيمة عبر التاريخ، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي: [١٥]
أول ولادة وأول وفاة بعد الهجرة النبوية: فقد وُلد عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- في شهر شعبان، وكان أول مولود للمسلمين بعد الهجرة، وقد ذكرت أمّه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنه- ما أنهم فرحوا به فرحاً شديداً، لأنه وُلد بعد أن قيل لهم أن اليهود قد سحرتكم ولن يولد لكم، كما توفي الصحابي الجليل عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- في شهر شعبان أيضاً، وكان أول من توفاه الله من المهاجرين في المدينة المنورة، ودُفن في البقيع.
قال القاسم: فعددنا فإذا هي ألف شهر ، لا تزيد يوما ولا تنقص يوما. ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل ، وهو ثقة وثقه يحيى القطان وابن مهدي. قال: وشيخه يوسف بن سعد - ويقال: يوسف بن مازن - رجل مجهول ، ولا نعرف هذا الحديث ، على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه. وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه ، من طريق القاسم بن الفضل ، عن يوسف بن مازن به. وقول الترمذي: إن يوسف هذا مجهول - فيه نظر; فإنه قد روى عنه جماعة ، منهم: حماد بن سلمة وخالد الحذاء ويونس بن عبيد. وقال فيه يحيى بن معين: هو مشهور ، وفي رواية عن ابن معين [ قال] هو ثقة. ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل ، عن عيسى بن مازن ، كذا قال ، وهذا يقتضي اضطرابا في هذا الحديث ، والله أعلم. ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدا ، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي: هو حديث منكر.