القاعدة السادسة والثلاثون: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)
للاستماع لمحتوى المادة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية، وقاعدة شرعية من أعظم القواعد الشرعية التي يفزع إليها العلماء في فتاواهم، تلكم القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ | تفسير ابن كثير | الأنفال 28
وقال ابن جرير: نزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي اللّه عنه {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرسول} الآية. وفي الصحيحين قصة حاطب بن أبي بلتعة أنه كتب إلى قريش يعلمهم بقصد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياهم عام الفتح، فاطلع اللّه رسوله على ذلك، فبعث في إثر الكتاب فاسترجعه، واستحضر حاطبا فأقر بما صنع، وفيها فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللّه، ألا أضرب عنقه فإنه قد خان اللّه ورسوله والمؤمنين؟ فقال: (دعه فإنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل اللّه اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، والصحيح أن الآية عامة، وإن صح أنها وردت على سبيل خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء. والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية، وقال ابن عباس {وتخونوا أماناتكم}: الأمانة الأعمال التي ائتمن اللّه عليها العباد يعني الفريضة، يقول: لا تخونوا لا تنقضوها، وقال في رواية: لا تخونوا اللّه والرسول يقول: بترك سنته وارتكاب معصيته. وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ | تفسير ابن كثير | الأنفال 28. وقال السدي: إذا خانوا اللّه والرسول فقد خانوا أماناتهم.
السلسة الباقيات الصالحات (انما أموالكم واولادكم فتنة فاحذروهم تفسير ) بصوت ابن محمد - Youtube
فلمّا جمع الله بينه وبينهم أمر الله أن يتوق بحسن وصله فقال: (وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم)(72). التّفسير:
أولادكم وأموالكم وسيلة لإمتحانكم:
حذّر القرآن الكريم من مغبّة الوقوع في الحبّ المفرط للأولاد والأموال، الذي قد يجرّ إلى عدم الطاعة لله ورسوله حيث قال: (ياأيّها الذين آمنوا إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم). إنّ هناك مظاهر عديدة لهذه العداوة، فأحياناً يتعلّقون بثيابكم ليحرموكم خير الهجرة، واُخرى ينتظرون موتكم ليسيطروا على أموالكم وثروتكم، وما إلى ذلك. تفسير قوله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة - إسلام ويب - مركز الفتوى. وليس كلّ الأولاد، ولا كلّ الزوجات كذلك، لهذا جاءت "من" التبعيضيّة. وتظهر هذه العداوة أحياناً بمظهر الصداقة وتقديم الخدمة، وحيناً آخر تظهر بسوء النيّة وخبث المقصد. وعلى كلّ حال فإنّ الإنسان يصبح على مفترق طريقين، فطريق الله وطريق الأهل والأزواج، ولا ينبغي أن يتردّد الإنسان في اتّخاذ طريق الله وإيثاره على غيره، ففيه النجاة والصلاح في الدنيا والآخرة. وهذا ما أكّدت عليه الآية 23 من سورة التوبة: (ياأيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فاُولئك هم الظالمون).
تفسير قوله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة - إسلام ويب - مركز الفتوى
وقوله تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة واللّه عنده أجر عظيم}. يقول تعالى: إنما الأموال والأولاد {فتنة} أي اختبار وابتلاء من اللّه تعالى لخلقه، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وقوله تعالى: {واللّه عنده} أي يوم القيامة {أجر عظيم} كما قال تعالى: {ذلك متاع الحياة الدنيا واللّه عنده حسن المآب}. روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يخطب، فجاء الحسن والحسين رضي اللّه عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال: (صدق اللّه ورسوله {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما) ""رواه أحمد وأهل السنن عن أبي بريدة"". وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (الولد ثمرة القلوب، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة) ""أخرجه الحافظ البزار"".
وقال صاحب المنار: الفتنة هي الاختبار والامتحان بما يشق على النفس فعله أو تركه، أو قبوله أو إنكاره. وأموال الإنسان عليها مدار حياته، وتحصيل رغائبه وشهواته، ودفع كثير من المكاره عنه، فهو يتكلف في طلبها المشاق، ويركب الصعاب، ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام، ويرغبه في القصد والاعتدال في إنفاقها. وأما الأولاد فحبهم- كما يقول الأستاذ الامام- ضرب من الجنون يلقيه الفاطر الحكيم في قلوب الأمهات والآباء، فيحملهم على بذل كل ما يستطاع بذله في سبيلهم. روى أبو ليلى من حديث أبى سعيد الخدري مرفوعا «الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة». فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الآثام، وعلى الجبن، وعلى البخل، وعلى الحزن. فالواجب على المؤمن اتقاء خطر الفتنة الأولى يكسب المال من وجوهه الحلال، وإنفاقه في وجوهه المشروعة.. واتقاء خطر الفتنة الثانية باتباع ما أوجبه الله على الآباء من حسن تربية الأولاد على الدين والفضائل، وتجنبهم أسباب المعاصي والرذائل». وقوله وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌتذييل قصد به ترغيب المؤمنين في طاعة الله، بعد أن حذرهم من فتنة المال والولد. أى: واعلموا أن الله عنده أجر عظيم لمن آثر طاعته ورضاه على جمع المال وحب الأولاد، فكونوا- أيها المؤمنون- من حزب المؤثرين لحب الله على حب الأموال والأولاد لتنالوا السعادة في الدنيا والآخرة.
تاريخ النشر: ٢١ / جمادى الآخرة / ١٤٢٧
مرات
الإستماع: 8379
لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب تعظيم حرمات المسلمين أورد المصنف -رحمه الله-:
حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه [1]. فقوله ﷺ: لا تحاسدوا يفيد النهي عن الحسد، وعن أسبابه المؤدية إليه، وعن الآثار الناتجة عنه، والنهي يحمل على التحريم إذا لم يوجد صارف يصرفه إلى معنى آخر، والأدلة تدل على تحريم الحسد بجميع أنواعه، أيًّا كان دافعه، وذلك أن الحسد في حقيقته اعتراض على الله وعلى قدره وتدبيره. فالحاسد معترض على إفضال الله على عباده، فهو يتمنى زوال النعمة عن هذا المنعَم عليه، سواء تمنى أن تتحول إليه، أو لم يتمنَّ ذلك، فيحسد هذا لأنه ربح في تجارته، وهذا لحصوله على وظيفة مرموقة، وهذا لتفوقه ونجاحه. الدرر السنية. وقد يكون الحسد في الأمور المعنوية، كأن يحسده على ذكائه وفهمه وفطنته، وعلى نجابته، أو على عافيته، وبناء بدنه، أو يكون الحسد على جمال صورته، أو حسن منطقه، أو غير ذلك من الأمور التي يتفاضل الناس فيها.
89 من حديث: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا..)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَحَاسَدُوا، ولا تَنَاجَشُوا ولا تَبَاغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكم على بَيْعِ بعضٍ، وكُونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلمُ أخُو المسلمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَكذبه ولا يَحْقِرُه، التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بِحَسْبِ امرِئٍ من الشَّرِّ أن يَحْقِرَ أخَاه المسلمَ، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وعِرْضُهُ». 89 من حديث: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا..). [ صحيح. ] - [رواه مسلم. ] الشرح
في هذا الحديث يرشدنا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى ما يجب علينا معشر المسلمين، بأن نكون متحابين متآلفين متعاملين فيما بيننا معاملة حسنة شرعية تهدينا إلى مكارم الأخلاق، وتبعدنا عن مساوئها، وتذهب عن قلوبنا البغضاء، وتجعل معاملة بعضنا لبعض معاملة سامية خالية من الحسد، والظلم، والغش وغير ذلك مما يستجلب الأذى والتفرق؛ لأن أذية المسلم لأخيه حرام سواء بمال أو بمعاملة أو بيد أو بلسان، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وإنما العز والشرف بالتقوى. الترجمة:
الإنجليزية
الفرنسية
الإسبانية
التركية
الأوردية
الإندونيسية
البوسنية
الروسية
البنغالية
الصينية
تجالوج
الهندية
السنهالية
الأيغورية
الكردية
الهوسا
البرتغالية
عرض الترجمات
خطبة عن (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم
{ أخاه}: مفعول به منصوب علامة نصبه الألف وهو مضاف. الهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة. { المسلم}: صفة منصوبة علامة نصبها الفتحة. { كل}: مبتدأ مرفوع علامة رفعه الضمة ، وهو مضاف. { المسلم}: مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة على المسلم جار ومجرور متعلقان بحرام. { حرام}: خبر المبتدأ مرفوع علامة رفعه الضمة. { دمه}: بدل من حرام مرفوع ، وهو مضاف. { ماله وعرضه}: تعربان إعراب دمه. * * *
الدرر السنية
فإذا رأيت في أخيك نشاطاً في الخير شجعته وثبته وأعنته، وفرحت لما هو عليه من الخير، وإذا رأيت فيه بعض ما لا يليق به نصحته فيما بينك وبينه وبذلت من الأسباب والوسائل التي تعينه على نفسه وعلى شيطانه، قال تعالى في صفات المؤمنين الرابحين يوم القيامة يوم يخسر الناس خسرانا مبيناً (بسم الله الرحمن الرحيم والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). خطبة عن (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. وبعض الناس إذا رأى أخاه على خير غاظه ذلك واشتعلت نيران الحسد في قلبه والعياذ بالله وإذا رأى أخاه على زلة أو هفوة فرح بذلك وكأنه عثر على كنز ثمين. ومما يندرج تحت هذا الحق نصرة أخيك ظالماً أو مظلوماً إن كان مظلوماً تنصره بما تقدر عليه، وإن كان ظالماً تحجزه عن الظلم وتمنعه عنه وهذا نصره كما ثبت بذلك الحديث. 3- التزاور: ومن حقوقها التزاور بين أهل الإيمان تزاوراً في الله عز وجل فعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله أنه قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله!
فقال: آلله. فقلت: آلله. فقال: آلله. قال فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في). وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلا زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا غير أنى أحببته في الله عز وجل. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) رواه مسلم. وللتزاور آداب كثيرة ومنها على سبيل المثال أن تكون خالصة لوجه الله، وأن تكون في الوقت المناسب لمن تزوره. ومنها أنك إذا زرت أخاك فاعتذر عن استقبالك لعذر أن تقبل عذره وأن ترجع من عنده طيب الخاطر لأن الله يقول (وإذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم) سورة النور [28]. ومنها أن تستغل مجالس الزيارة في مذاكرة العلم فإن حياة العلم مذاكرته والمجالس إذا لم تشغل بالحق شغلت بالباطل، ولا بأس بالسؤال عن حال الأهل ونحو ذلك من الأحاديث التي اعتادها الناس والتي تدل على عنايتك بشأن أخيك، ولا بأس بالأحاديث الدنيوية التي تترتب عليها مصلحة من مصالح الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول الخير كل ما ترتبت عليه مصلحة دينية أو مصلحة دنيوية مباحة.