حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) يقول: علما.
( إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( 84))
قوله عز وجل ( إنا مكنا له في الأرض) أوطأنا ، والتمكين: تمهيد الأسباب. قال علي: سخر له السحاب فحمله عليها ، ومد له في الأسباب ، وبسط له النور ، فكان الليل والنهار عليه سواء ، فهذا معنى تمكينه في الأرض وهو أنه سهل عليه السير فيها وذلل له طرقها. ( وآتيناه من كل شيء) أي: أعطيناه من كل شيء يحتاج إليه الخلق. [ ص: 199]
وقيل: من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء. انا مكنا له في الأرض. ( سببا) أي: علما يتسبب به إلى كل ما يريد ويسير به في أقطار الأرض ، والسبب: ما يوصل الشيء إلى الشيء. وقال الحسن: بلاغا إلى حيث أراد. وقيل: قربنا إليه أقطار الأرض.
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) وقوله ( إنا مكنا له في الأرض) أي: أعطيناه ملكا عظيما متمكنا ، فيه له من جميع ما يؤتى الملوك ، من التمكين والجنود ، وآلات الحرب والحصارات ؛ ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض ، ودانت له البلاد ، وخضعت له ملوك العباد ، وخدمته الأمم ، من العرب والعجم ؛ ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها. وقوله: ( وآتيناه من كل شيء سببا): قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم: يعني علما. وقال قتادة أيضا في قوله: ( وآتيناه من كل شيء سببا) قال: منازل الأرض وأعلامها. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ( وآتيناه من كل شيء سببا) قال: تعليم الألسنة ، كان لا يغزو قوما إلا كلمهم بلسانهم. وقال ابن لهيعة: حدثني سالم بن غيلان ، عن سعيد بن أبي هلال ؛ أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا ؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك ، فإن الله تعالى قال: ( وآتيناه من كل شيء سببا). وهذا الذي أنكره معاوية ، رضي الله عنه ، على كعب الأحبار هو الصواب ، والحق مع معاوية في الإنكار ؛ فإن معاوية كان يقول عن كعب: " إن كنا لنبلو عليه الكذب " يعني: فيما ينقله ، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحيفته ، ولكن الشأن في صحيفته ، أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق ولا حاجة لنا مع خبر الله ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم] إلى شيء منها بالكلية ، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض.