فإن قال: فإن قوله: " لهم مغفرة وأجر عظيم " خبرٌ مبتدأ، ولو كان هو الموعود لقيل: " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرًا عظيمًا " ، ولم يدخل في ذلك " لهم " ، وفي دخول ذلك فيه، دلالة على ابتداء الكلام، وانقضاء الخبر عن الوعد! قيل: إن ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرتَ، فإنه مما اكتُفي بدلالة ما ظهر من الكلام على ما بطن من معناه= من ذكر بعضٍ قد ترك ذكره فيه، وذلك أن معنى الكلام: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يغفر لهم ويأجرهم أجرًا عظيما= لأن من شأن العرب أن يُصْحِبوا " الوعد " " أن " ويعملوه فيها، فتركت " أن " إذ كان " الوعد " قولا. ومن شأن " القول " أن يكون ما بعده من جمل الأخبار مبتدأ، وذكر بعده جملة الخبر اجتزاءً بدلالة ظاهر الكلام على معناه، وصرفا للوعد= الموافق للقول في معناه وإن كان للفظه مخالفا= إلى معناه، (205) فكأنه قيل: " قال الله: للذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجر عظيم ". * * * وكان بعض نحويي البصرة يقول، إنما قيل: " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم " ، في الوعد الذي وُعِدوا (206) =فكأن معنى الكلام على تأويل قائل هذا القول: وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات، لهم مغفرة وأجر عظيم، [فيما وعدهم به].
وليبدلنهم من بعد خوفهم آمناً - موقع مقالات إسلام ويب
ت + ت - الحجم الطبيعي
قال الله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). هذه الآية بها وعد من الله سبحانه للمؤمنين بالله ورسوله، المطيعين لأمره ونهيه ليورثنهم أرض المشركين ويستخلفنهم فيها (كما استخلف الذين من قبلهم)، كما فعل من قبلهم ببني إسرائيل (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم)، (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً) أي وليغيرن حالهم من الخوف الذي هم فيه إلى الأمن. (يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) أي: يخضعون لي بالطاعة ويتذللون لأمري ولا يشركون في عبادتهم شيئاً غيري (ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) ومن كفر بهذه النعمة فأولئك هم الخارجون عن أمر ربهم. (وأقيموا الصلاة) فلا تضيعوها (وآتوا الزكاة) التي فرضها الله عليكم (وأطيعوا الرسول) فيما أمركم ونهاكم (لعلكم ترحمون) كي يرحمكم ربكم. ويقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من سورة الحج: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
وعد الله للمؤمنين
ذلك الإيمان منهج حياة كامل، يتضمن كل ما أمر الله به، ويدخل فيما أمر الله به توفير الأسباب، وإعداد العدة، والأخذ بالوسائل، والتهيؤ لحمل الأمانة الكبرى في الأرض. أمانة الاستخلاف. فما حقيقة الاستخلاف في الأرض؟
إنها ليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم، إنما هي هذا كله على شرط استخدامه في الإصلاح والبناء، وتحقيق المنهج الذي رسمه الله للبشرية كي تسير عليه. وهذا الاستخلاف هو الذي وعده الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض - كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم - ليحققوا المنهج الذي أراده الله؛ ويقرروا العدل الذي أمر به، وآية هذا الفهم لحقيقة الاستخلاف قوله تعالى بعده: {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب، كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها. فقد وعدهم الله إذن أن يستخلفهم في الأرض، وأن يجعل دينهم الذي ارتضى لهم هو الذي يهيمن على الأرض، {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} ولقد كانوا خائفين، لا يأمنون، ولا يضعون سلاحهم أبدا حتى بعد هجرة الرسول إلى قاعدة الإسلام الأولى بالمدينة. {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} أي الخارجون على شرط الله، ووعد الله وعهد الله فيا قوم هذا هو طريق النصر والتمكين من أراده فليسلكها ومن بدا له غير ذلك فهو وما بدا له.
تفسير: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم)
ومن العجيب أن الله أتبع هذه الآية بالأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول، وشيء من الطمأنة للمؤمنين بأن أمر الكافرين أهون مما نتوقع فقال: "لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض، ومأواهم النار ولبئس المصير". هذه الآية المبشّرة هي من أعظم المبشرات، ففيها وعد وأي وعد! هو وعد الله، وفيها ثلاثة أمور يتطلع إليها كل مسلم، خاصة في هذا الزمان وكل زمان ينتكس فيه أمر المسلمين، وهذه الثلاثة هي استخلافهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وتمكين دينهم الذي ارتضاه لهم، وأن يبدلهم من بعد الخوف أمنا، وهي الآن من أكثر الأمور التي نفتقدها، رغم زعمنا بأننا مسلمون. استوقفتني كلمة الاستخلاف حيث الوعد الأول، فالإنسان خليفة في الأرض بمعنى أنه يخلف بعضهم بعضا، ولكن الآية هنا تتحدث عن وراثة أرض الكافرين، وهذا الذي يتناسب مع صيغة الوعد، ومع البشارتين الأخريين حيث تمكين دين الله، والأمن بعد الخوف، فالآية مشعرة بحالة من الضياع والخوف وقلة الدين، ومع ذلك لا بد من السعي والأخذ بالأسباب وطاعة الله تعالى ورسوله، فالأيام دول، والحق لا شك غالب، ولكن لا بد من نهضة وعمل وحسن تخطيط وتوكل على الله تعالى. هذا الدين لا يحتاج أكثر من أناس مخلصين صادقين في عزمهم وإرادتهم ووضوح تصورهم، فليسوا وحدهم في الميدان، فالله معهم، لا هم لهم ولا غاية إلا نصرة منهج الله، فهم يعيشون لله وفي الله ومع الله، حياتهم لله، وأعمالهم في سبيل الله، ومشاعرهم في ظاهر أمرهم وباطنه مع الله، وما أجمل العيش حين يكون الله هو الغاية والمقصد والمعية.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ - هوامير البورصة السعودية
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: معنى ذلك لا يستوي منكم أيها الناس من أنفق في سبيل الله من قبل فتح الحُديبية، للذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، الذي رويناه عن أبي سعيد الخُدريّ عنه، وقاتل المشركين، بمن أنفق بعد ذلك وقاتل، وترك ذكر من أنفق بعد ذلك وقاتل، استغناء بدلالة الكلام الذي ذُكر عليه من ذكره. (أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنفقوا في سبيل الله من قبل فتح الحديبية، وقاتلوا المشركين، أعظم درجة في الجنة عند الله من الذين أنفقوا من بعد ذلك وقاتلوا. وقوله: (وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) يقول تعالى ذكره: وكلّ هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وعد الله الجنة بإنفاقهم في سبيله، وقتالهم أعداءه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللُّهُ الْحُسْنَى) قال: الجنة.
قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
الشرح والتفسير:
اي ليورثنهم الله الأرض فيجعلهم ملوكها وساستها
وليوطئنّ لهم دينهم، يعني: ملتهم التي ارتضاها لهم، فأمرهم بها. وليبدلنهم وليغيرنّ حالهم عما هي عليه من الخوف إلى الأمن. وقوله: ( يعبدونني) يقول: يخضعون لي بالطاعة ويتذللون لأمري ونهيي ( لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) يقول: لا يشركون في عبادتهم إياي الأوثان والأصنام ولا شيئا غيرها، بل يخلصون لي العبادة فيفردونها إليَّ دون كل ما عبد من شيء غيري.
قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صل الله عليه وسلم قد قالها، وقال الإمام أحمد عن أبي بن كعب قال، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «بشِّرْ هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب».